لا أحب زيارة أخي
كتب بواسطة الدكتور حاكم المطيري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
2548 مشاهدة
أهلي بنوا لأخي قصراً كبيراً، وأما أنا .. زوجي ليس لديه بيت فأعطوني شقة صغيرة .. لذلك لا أحب زيارة أخي كي لا اتألم من ذلك وأكلمه بالهاتف هل آثم؟
ج / لا حرج عليك!
ولو عرفت معنى الأخوة على حقيقتها كما عرفتها أمهاتك وجداتك مع إخوانهن - ولا أقول كما عرفته خنساء العرب تجاه أخويها صخر ومعاوية - لشعرت بالسعادة الغامرة لسعادة أخيك، ولفرحت لفرحه، حتى لو لم يتحقق لك أنت ما تمنيت منه، فالأخت لأخيها كالأم الرؤم لولدها، وكالبنت الحنون على أبيها، هي نبع حب وفيض عطف وحنان، تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه، وتسهر لينام، وتجوع ليطعم، فالأخت لأخيها أم له صغرى إلا أنها لم تلده، وبنت له كبرى قبل أن يولد له، هكذا خلقها الله، وهكذا فطرتها الطبيعية، وهكذا يجب أن تكون الأخت لتستقيم الحياة!
ولهذا السر جعل الله ميراث الأخت الواحدة من أخيها الكلالة النصف وجعل ميراث الأخوات من أخيهن الكلالة الثلثين، كميراث البنت الواحدة أو البنات وحدهن من أبيهن وأمهن!
وقد كانت الأخت عند العرب شرف أخيها في حياته، وراثيته بعد مماته، حتى كاد الرثاء والبكاء يكون حظهن مع إخوانهن!
كما قالت الخنساء عن كثرة الأخوات اللاتي يرثن إخوانهن!
يذكرني طلوع الشمس صخرا
وأذكره لكل غروب شمس
فلولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا
ونائحة تنوح ليوم نحسِ
هما كلتاهما تبكي أخاها
عـشية رزئه أو غب أمس
وما يبكين مثل أخي ولكن
أسلي النفـس عنه بالتأسي
فقد ودعت يوم فراق صخر
أبي حسان لذاتي وأنسي
فيا لهْفي عليه ولهف أمي
أيصْبحُ في الضريح وفيه يُمسي
وكما أوصى طرفة ابن العبد ابنة أخيه
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
فلا تنظري إلى قصر أخيك وشقتك، ولا غناه وفقرك؛ بل إلى قلبه وقلبك، وروحه وروحك، اللتين اشتقتا من نفس واحدة فصرت شقيقته وصار شقيقك؛ ففيهما تتجلى حقيقة الإنسان وإنسانيته، ومنهما تنبعث سعادته أو شقاوته، فهو أخوك وابن أمك وأبيك، وقد قدر الله رزقه عليك، ووسع على أخيك، ليبتليه ويبتليك ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾؟
ولو عرفت حقيقة الحياة نفسها وأنها ظل زائل، ومتاع غرور، لما شعرت بالحزن على حالك، كيف وقد اختار الله لك ما اختاره لأحب الخلق إليه نبيه محمدﷺ، وما اختاره النبيﷺ لأحب الناس إليه عائشة وأمهات المؤمنين، حتى قال الله له ﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى. وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى﴾!
وحتى قال المصطفىﷺ لعمر حين دخل عليه ووجد جنبه الطاهر قد أثر فيه فراش الحصير، كما في صحيح مسلم عن عمر(دخلت على رسول اللهﷺ وهو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول اللهﷺ فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلق، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول اللهﷺ، وصفوته وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا)؟
وفي مسند أحمد وصححه الترمذي عن ابن مسعود، قال(اضطجع رسول اللهﷺ على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ، جعلت أمسح جنبه، فقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة، ثم راح وتركها).
وحين تسمو الروح الخالدة عن حطام الدنيا الزائلة، لن تعرف إلا الحب الصادق، ولن تجد السعادة إلا فيه، ولن تتمنى إلا الخير لكل من تعرفه ويعرفها، وأحقهم بالخير أدناهم إليها، وأعزهم عليها!
عليك!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة