الجذور النفسية للتسويف.. نصائح للتوقف عن تسويف الأشياء
كتب بواسطة محمد أسامة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1963 مشاهدة
كتب المؤلف الإنجليزي "دوجلاس آدمز" مرة: "كم أحب مواعيد التسليم النهائية! كم أحب صفير الهواء الذي تحدثه وهي تمر بي في عجالة".
تعرضنا جميعا إلى هذا الموقف من قبل؛ أعني تأجيل مهمة ما رغم رغبتنا في إنهائها. أحيانا ننتظر لأننا لا نهتم بهذه المهمة بدرجة كافية، لكن الحالة قد تختلف في أحيان أخرى، فيكون لدينا الاهتمام الكافي، لكن ينتهي بنا الأمر إلى النتيجة نفسها. عن نفسي، كثيرا ما أجدني منهمكا في تنظيف المنزل، رغم حاجتي إلى تصحيح كثير من أوراق الإجابة المتراكمة.
إذن، لماذا التسويف؟ هل نحن مبرمجون لفعل ذلك؟ أم أن هناك خطأ في طريقة تعاملنا مع الواجبات، هذه أسئلة مركزية في بحثي الذي كتبته عن السعي وراء الأهداف، وهو ما قد يقدم معلومات مفيدة من علم الأعصاب عن أسباب التسويف، وكيفية التغلب على هذه النزعة.
أفعل؛ أو لا أفعل!
يعتبر انخفاض القيمة المؤجلة أحد العوامل المسببة للتسويف؛ لأن اكتمال المشروع لن يقع إلا في المستقبل، فالانتهاء من شيء ما يعد مكافأة مؤجلة؛ لذا تنخفض قيمته في الوقت الحاضر
مواقع التواصل
يبدأ الأمر باختيار بسيط، إما العمل الفوري على مشروع ما، أو فعل أي شيء آخر: العمل على مشروع مختلف، أو القيام بنشاط مسلٍّ، أو عدم فعل شيء مطلقا، إن قرار العمل يعتمد على مدى تقديرنا وتثميننا للانتهاء من هذا المشروع في هذه الساعة، وهو ما يطلق عليه علماء النفس "القيمة الذاتية". أما التسويف -بصياغة سيكولوجية- فهو ما يحدث حينما تتفوق قيمة فعل شيء آخر -في هذه اللحظة- على قيمة الأمر الأول.
وطريقة التفكير هذه تلهمنا حيلة بسيطة للتغلب على التسويف: ابحث عن طريقة تعظم بها القيمة الذاتية لإنجاز هذا العمل الآن، مقارنة بقيمة الأشياء الأخرى. يمكنك رفع قيمة المشروع، أو خفض قيمة المشتتات، أو المزج بين الاثنين.
على سبيل المثال، يمكنني التركيز على قيمة وأهمية تصحيح الأوراق بالنسبة لي، بدلا من تنظيف المنزل. أو التفكير في مدى الشقاء الذي قد يمثله لي التنظيف، خاصة وأنا أتشارك المنزل مع طفل صغير، إنها نصيحة بسيطة، لكن الالتزام بهذه الاستراتيجية تزداد صعوبته أحيانا، والسبب الرئيس في ذلك هو كثرة العوامل التي تقلل من قيمة العمل الآني.
ميعاد التسليم البعيد
لا يمكننا القول إن الناس تثمن الأشياء وتقدرها بعقلانية كاملة. فقيمة الدولار اليوم -على سبيل المثال- هي نفس قيمته بعد أسبوع، لكن قيمته الذاتية تعتمد على عوامل أخرى إلى جانب قيمته السوقية، منها توقيت حصولنا عليه.
إن ميل الناس إلى خفض قيمة المال والبضائع الأخرى بناء على الوقت يسمى "انخفاض القيمة المؤجلة". أظهرت إحدى الدراسات أن تسلم ١٠٠ دولار بعد ثلاثة أشهر من الآن له نفس قيمة تسلم ٨٣ دولارا الآن. فالناس يفضلون خسارة ١٧ دولارا على الانتظار لأشهر معدودة وتسلم مكافأة أكبر، وهناك عوامل أخرى تؤثر على القيمة الذاتية، مثل كمية المال الذي كسبه أو فقده شخص آخر مؤخرا. والنقطة الأساسية في حديثنا هذا هي اختلاف القيمة الموضوعية عن القيمة الذاتية.
يعتبر انخفاض القيمة المؤجلة أحد العوامل المسببة للتسويف؛ لأن اكتمال المشروع لن يقع إلا في المستقبل. فالانتهاء من شيء ما يعد مكافأة مؤجلة؛ لذا تنخفض قيمته في الوقت الحاضر: كلما ازداد الموعد النهائي بعدا، صار العمل على هذه المهمة الآن أقل جاذبية.
أظهرت العديد من الدراسات أن الميل إلى التسويف يتبع نماذجا اقتصادية لانخفاض القيمة المؤجلة. علاوة على ذلك، نجد أن الأشخاص الذين ينتقدون اتصافهم بالتسويف، يتسمون بالمبالغة فيما يخص مجال حديثنا. فهم يقللون من قيمة إنجاز أمر ما قبل ميعاده، أكثر من غيرهم، وإيهام النفس بأن خط النهاية أقرب مما يبدو عليه، وهي طريقة جيدة لرفع القيمة الذاتية للانتهاء من مهمة ما.
لا يخلو عمل من قيمة
لا يقتصر الأمر على انخفاض قيمة الانتهاء من المشروع، لمجرد وقوع ذلك في المستقبل؛ بل إن حقيقة بسيطة مثل احتياج العمل إلى بعض الجهد، قد يقلل من جاذبية الأمر.
هناك بحث جديد يدعم فكرة ارتفاع تكلفة الجهد الذهني، لذا يفضل الناس بشكل عام القيام بالأعمال الأكثر سهولة. إضافة إلى ارتفاع التكلفة الذاتية للأعمال التي تبدو أكثر صعوبة -وإن كان بالإمكان معادلة هذه التكلفة بشيء من الخبرة-.
يقودنا ذلك إلى أن الناس سيكثرون من التسويف كلما بدا لهم العمل أكثر صعوبة. ذلك لأن المهمة كلما تطلبت مزيدا من الجهد، ازدادت فرصة الآخرين في كسب المزيد عبر توجيه نفس كمية الجهد في عمل آخر -ظاهرة يطلق عليها علماء الاقتصاد "تكلفة الفرصة البديلة"-. وتكلفة الفرصة البديلة هذه، تجعلنا نشعر بالخسارة عند القيام بالمهام الصعبة.
أظهرت مجموعة من الدراسات أن الأشخاص يلجؤون إلى مزيد من التسويف كلما كانت المهمة أقل جاذبية. وتشير النتائج إلى أن تخفيف وطأة العمل عبر تقسيمه إلى أجزاء أكثر اعتيادا وأسهل تنفيذا، ستكون طريقة فعالة للحد من التسويف.
عملك هو هويتك
عندما نقول إن التسويف أثر جانبي لطريقة تقييمك للأشياء، فنحن بذلك نجعل إنجاز المهمة يعتمد على الحافز، لا القدرة، وبعبارة أخرى، قد تكون بارعا بشدة في أمر ما، مثل الطبخ، أو تصميم الأزياء، أو كتابة القصة، وتجد أنك تواصل تأجيل ممارسة الأمر، لأنك لا تملك الدافع الكافي لفعل ذلك.
كان هذا سبب وصف الكاتب "روبرت هانكس" للتسويف، في مقالة حديثة، بـ"فشل الشهية". فأحيانا يكون مصدر هذه الشهية ضبابيا. إلا أنه بإمكاننا القول إن ذلك يرتبط ارتباطا معقدا بحياتنا اليومية، وثقافتنا، وتصورنا لذواتنا، بالضبط كما هو الأمر مع الشهية الحقيقية.
إذن، كيف للمرء أن يرفع القيمة الذاتية للمهمة؟ هناك طريقة فعالة، وهي إنشاء رابط بين هذه المهمة ورؤيتنا لأنفسنا "صورة الذات". ذلك ما دفع "هانكس" إلى وصف التسويف بفشل في "التماهي مع الذات المستقبلية"، أو بعبارة أخرى، الذات الأكثر ارتباطا بهذا الهدف، كذلك قد يكون الربط بين المهمة ومصادر فورية للقيمة، مثل أهداف الحياة، أو القيم الجوهرية، طريقة فعالة لسد عجز القيمة الذاتية، التي تعتبر السبب الرئيس في التسويف.
كاتب المقال: إليوت بيركمان - جوردن ميلر زيجلر
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن