لماذا يطردون العباقرة والعلماء؟!
يتوزع عباقرة العرب وعلماؤهم ونوابغهم ومثقفوهم ومبدعوهم على دول العالم المتحضر، بينما تغرق بلدانهم في مزيد من الحروب والجهل والتخلف، والسبب في ذلك أن بلادنا العربية أصبحت بيئات طاردة للعقول وغير حاضنة للتميز والإبداع، بينما تطورت الدول المتحضرة بفضل احتضانها للعقول أياً كانت.
في مستشفى بريطاني يُعتبر الأهم، أو واحداً من بين الأهم، على مستوى العالم، يتجول بين غرف المرضى طبيب يحسبون وقته بالثانية وليس بالدقيقة أو الساعة، ويُعتبر أحد أهم المراجع في مجاله على مستوى بريطانيا والعالم، ليتبين أن اسمه مثنى العبيدي، وهو طبيب عربي عراقي يحمل درجة رفيعة في علاج أمراض العظام والروماتيزم. وفي المستشفى ذاته طبيب فلسطيني مهم يُدعى أحمد مسعود، وطبيبة أخرى مبدعة تعود أصولها الى السودان وتخرجت أصلاً من جامعة الخرطوم هي الدكتورة ابتهال محمد.. والى جانب هؤلاء ينام عشرات الأطباء العرب ومعهم آلاف المبدعين بمختلف المجالات في الغُربة بعيداً عن بلادنا العربية التي تغرق يوماً بعد آخر في الجهل والفساد والحروب ونزيف الدماء الذي لا يتوقف.
يظل السؤال: لماذا يهرب العباقرة والعلماء والمبدعون والمميزون من الدول العربية؟
الجواب بسيط والمعادلة بالغة السهولة، فالدول التي يحكمها ويديرها فاسدون ومستبدون لا يمكن أن تنتج بيئة حاضنة للإبداع والتميز والإنجاز، ولا يمكن أن تكون ملاذاً للعباقرة والعلماء والأطباء.. وبجواب أبسط وأسهل، فإن الأغبياء عندما يمتلكون القوة والسلطة يطردون الأذكياء اعتقاداً منهم بأن هذه العقول تشكل خطراً على وجودهم واستمرارهم.. إنهم ببساطة يقتاتون على الجهل والفساد.
الطبيب الفلسطيني في العالم العربي يطلبون منه الاصطفاف في طوابير الإقامة، ودوائر الهجرة ويستدعونه الى أجهزة الأمن والمخابرات أكثر مما يستدعونه لغرف المرضى، وفي بعض الدول يطلبون منه “كفيلا”، وفي دول أخرى يقولون له إن العمل كطبيب يقتصر على المواطنين دون غيرهم، وفي دول أخرى يسألونه عن “الرقم الوطني” أو “الرقم القومي” بدلاً من سؤاله عن شهاداته وأبحاثه وإنجازاته العلمية!
في إحدى الدول العربية شوهد أستاذ جامعي عراقي يصطف في طابور طويل بوزارة داخلية ذلك البلد لينتهي أمره الى قرار برفض تجديد إقامته، أصدره ضابط يحمل شهادة “الابتدائي”.. في ذلك البلد يتعاملون مع عمال البناء الوافدين وأساتذة الجامعة المبدعين على حد سواء، وفي نهاية المطاف يبقى العمال ينعمون بالراحة في ذلك البلد بينما يهرب أساتذة الجامعات الى دول تنظر بعين التقدير والاحترام لهم!
ثمة واقع مأساوي في عالمنا العربي ازداد سوءاً في ظل الأنظمة الجديدة التي رفعت من منسوب استبدادها وقمعها، كما ازداد هذا الواقع مأساوية بجملة الحروب والصراعات الدموية التي أغرقت منطقتنا العربية مؤخراً، أما من يدفع الثمن في نهاية المطاف فهي شعوبنا وحضارتنا، فقد وصلت بلادنا الى مستوى بات معه إصلاحها يحتاج الى عقود طويلة من الزمن، وربما قرون، من أجل إعادة الإعمار، والأهم من إعادة إعمار البلدان هو بطبيعة الحال إعادة إعمار العقول والشعوب التي تم تدميرها على كافة المستويات.
هجرة العقول وهروب المبدعين والعباقرة والأطباء والعلماء ليس سوى واحد من المظاهر السلبية لأنظمة الاستبداد، وليس سوى أحد الأثمان التي تدفعها بلادنا العربية نتيجة أنها تنام على أنظمة مستبدة وفاسدة، وحتى نستعيد عقولنا المهاجرة ونستفيد منها يتوجب أولاً أن نُصلح بلادنا وأنظمتنا السياسية والإدارية.
المصدر : القدس العربي
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة