باحث في مؤسسة القدس الدولية، متخصص في التاريخ الإسلامي، كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكترونية، عضو رابطة أدباء الشام، ومسؤول لجنة الأقصى وفلسطين في جمعية الاتحاد الإسلامي.
اعتداءات الاحتلال بحق الأوقاف الإسلامية وموظفيها في المسجد الأقصى المبارك
كتب بواسطة أ. علي إبراهيم
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1253 مشاهدة
إفراغ المكون البشري في الأقصى (1)
يشهد المسجد الأقصى معركة مصيرية بين احتلال يعمل على تثبيت سيطرته على جميع مفاصل المسجد المبارك، بأدواته التهويدية المختلفة، ومنظماته المتطرفة، وبين أصحاب الحق من الفلسطينيين، يستخدم فيها الطرف المحتل فائض القوة والإرهاب، ويرابط الطرف الأصيل، في وجه آلة الاحتلال القمعية الإقصائية.
وفي سياق هذه المعركة يحاول الاحتلال عزل دائرة الأوقاف الإسلامية الجهة المشرفة على الأقصى، ويمارس بحق الإدارة الإسلامية بمجمل كيانها المعنوي والإجرائي وما تمثله من الوصاية الأردنية على المسجد، مجموعة من الممارسات والاعتداءات التي تعوق عملها وتحاول سحب ملف إدارة الأقصى منها، بشكلٍ تدريجي متتابع، عبر التدخل الدائم في شؤونه، وفرض القيود المختلفة على عمل موظفي الدائرة وعلى الملفات التي تتابعها.
وفي محاولة لتسليط الضوء على سياسات الاحتلال تجاه دائرة الأوقاف في القدس، رصد تقرير عين على الأقصى الثاني عشر الصادر عن مؤسسة القدس الدولية عددًا من هذه الممارسات التي تتمحور في عدد من السياقات الرئيسة، وهي:
1. السياق الأول: فرض التعريف اليهودي على المسجد الأقصى.
2. السياق الثاني: منع ترميم المسجد الأقصى، والتدخل في عمل دائرة الأوقاف الإسلامية.
3. السياق الثالث: استهداف موظفي دائرة الأوقاف، خاصة حراس الأقصى.
4. السياق الرابع: التحكم في إدارة الأقصى، التي تتمثل بفرض القيود على أبواب المسجد.
ويندرج تحت هذه السياقات الأربعة من الاستهداف العديد من الاعتداءات التهويدية، التي تستهدف الأوقاف الإسلامية والمسجد الأقصى على حدٍ سواء، وفي ما يأتي أبرز هذه الاعتداءات خلال الأشهر الأخيرة.
السياق الأول: فرض التعريف اليهودي على المسجد الأقصى
تحاول سلطات الاحتلال فرض التعريف اليهودي على المسجد الأقصى على أنه المعبد الذي يحرم القيام داخله بالعديد من الأمور الحياتية اليومية، فإلى جانب خطورة تزوير الهوية العامة للأقصى، فإن هذا الفعل يصب في سياق تقليل دور دائرة الأوقاف الإسلامية، وحصر التصرفات التي يمكن أو لا يمكن فعلها في الأقصى بما يقره الاحتلال وتعريفه لقدسية المكان، بصفته الجهة المشرفة على المسجد.
وتمظهر هذا التدخل بمنع أطفال القدس من اللعب في باحات المسجد في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بقرار من المحكمة الإسرائيلية العليا، ووفقًا للقرار فإن ألعاب الكرة ممنوعة في جبل المعبد لأنهم ينتهكون حرمته، وزعمت منظمات المعبد أن لعب الكرة تدنيس للمكان المقدس، وجرح لمشاعر اليهود. وأعلنت شرطة الاحتلال التزامها بقرار المحكمة، وأنها ستعمل بحزمٍ على حماية قدسية جبل المعبد من تدنيس العرب، وسيتم تنفيذ القرار بشكل أساسي في المناطق المتاخمة للمدارس الإسلامية في باحات الأقصى.
السياق الثاني: منع ترميم المسجد الأقصى، والتدخل في عمل دائرة الأوقاف الإسلامية.
يشكل منع الترميم وعرقلة مشاريع الإعمار في الأقصى، أبرز سياسات الاحتلال التي تستهدف عمل الأوقاف في المسجد، حيث يفرض رقابة صارمة على أعمال الترميم والعمارة، ويجبر دائرة الأوقاف على إطلاعه على أي أعمال تقوم بها في الأقصى، ويعرقل الأعمال لا تتم من بوابته وبتصاريح من قبل سلطاته.
ويسري منع الترميم والعمارة وعرقلتهما على إصلاح الأعطال الطارئة في الأقصى، ففي 15 يناير (كانون الثاني) 2018 قالت دائرة الأوقاف الإسلامية: إن شرطة الاحتلال منعت إصلاح تماس كهربائي في مصلى قبة الصخرة، أدى إلى انطفاء أنوار القبة ليلًا، ولم تتمكن الدائرة من إصلاحه نتيجة منع شرطة الاحتلال إدخال المواد اللازمة لذلك.
ولا تقف تدخلات الاحتلال عند عرقلة الأعطال وإدخال المواد الأولية فقط، بل تمنع استكمال مشاريع ترميم عديدة في المسجد، ففي 16 يناير 2018 اقتحم ضابط في شرطة الاحتلال مكتب لجنة إعمار المسجد الأقصى، وأمر بوقف أشكال الترميم كافة في مرافق المسجد. وبحسب دائرة الأوقاف شمل قرار منع الترميم الزخارف الجصيّة الملونة وغير الملونة داخل الأقصى، وترميم أسقف المصلى المرواني، ومشروع الإنارة الخارجية والداخلية للأقصى، وتغيير الرخام الخارجي لقبة الصخرة.
وحول عدد مشاريع عمارة الأقصى المتوقفة بقرارٍ من الاحتلال، كشفت دائرة الأوقاف أن شرطة الاحتلال تعرقل نحو 20 مشروعًا، حيث ترفض الشرطة إدخال المواد الضرورية لأعمال الترميم، وتطلب استحصال الأوقاف على تصاريح مكتوبة. وأبرز هذه المشاريع منع الأوقاف من إزالة أكوام الأتربة من المنطقة الشرقية، وتبليط ساحات المسجد والمصاطب، بالإضافة إلى البنية التحتية التالفة من كهرباء ومياه وشبكة اتصالات أرضية، التي لم ترمم منذ ستينات القرن الماضي، واستمرار عرقلة تنفيذ إنشاء نظام إنذار وإطفاء في المسجد، والمشاريع الزراعية لتجميل ساحات المسجد.
السياق الثالث: استهداف موظفي دائرة الأوقاف، وفرض القيود على حراس الأقصى والاعتداء عليهم.
يتعرض موظفو دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس لاعتداءات دائمة من قبل قوات الاحتلال، وفي مقدمتهم حراس الأقصى، حيث يشكلون خط المواجهة الأول مع مقتحمي الأقصى من المستوطنين وعناصر الاحتلال الأخرى، ويستهدف الاحتلال الحراس بشكلٍ ممنهج، عبر الاعتقال وما يرافقه من اعتداءات نفسية وجسدية، والإبعاد عن المسجد لمددٍ متفاوتة تصل إلى عدة أشهر.
تأتي هذه الاعتداءات في سياق إرهاب الحراس، وإجبارهم على عدم التصدي لمقتحمي الأقصى. ففي 21 يناير 2018 اعتقلت قوات الاحتلال حارس الأقصى خليل الترهوني من داخل المسجد، واقتادته إلى أحد مراكز التحقيق. وفي 8 فبراير (شباط) 2018 استدعت شرطة الاحتلال، حارس الأقصى محمد الصالحي، للتحقيق معه بمركز القشلة. وفي 8 مايو (أيار) 2018 دهمت قوات الاحتلال منزل عائلة حارس الأقصى عرفات نجيب في منتصف الليل، وسلمته استدعاء لمراجعة مخابراتها. وفي 18 يونيو (حزيران) 2018 احتجزت شرطة الاحتلال عددًا من حراس المسجد في مقر الشرطة في صحن قبة الصخرة، ومنعتهم من مراقبة المستوطنين، واعتقلت رئيس الحراس. وفي 18 سبتمبر (أيلول) 2018 أصيب عدد من حراس الأقصى بعد اعتداء شرطة الاحتلال عليهم بالضرب إثر تصديهم لمحاولة مستوطنين أداء طقوس تلمودية.
ومن العراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال على عمل حراس الأقصى، إجبارهم على الابتعاد عن المستوطنين مسافات كبيرة خلال اقتحامات المسجد، لتضمن عدم اقتراب الحراس من المستوطنين، ومنعهم من القيام بالصلوات التلمودية داخل الأقصى. ففي 6 أغسطس (آب) 2017، منعت قوات الاحتلال حراس المسجد الاقتراب من المستوطنين مسافة 30 مترًا. وفي 18 يوليو (تموز) 2018 وخلال اقتحام المستوطنين برفقة أطفالهم، منعت قوات الاحتلال الحراس من الاقتراب من المقتحمين مسافة تقل عن 200 متر.
السياق الرابع: التحكم في إدارة الأقصى عبر فرض القيود على أبواب المسجد.
يعمل الاحتلال على تثبيت سيطرته على المسجد، من خلال القيود التي يفرضها على أبواب الأقصى، وهي من أبرز السياسات الرامية إلى تفريغ الأقصى من العنصر البشري الإسلامي، مقابل رفع وجود العنصر البشري اليهودي الاستيطاني، وتتنوع هذه الاعتداءات بين احتجاز هويات المصلين على أبواب المسجد، وحالات الاعتقال المتكرر داخل المسجد الأقصى أو أمام أبوابه.
وتركز قوات الاحتلال على فئة الشباب من المصلين، حيث تحتجز هوياتهم أمام أبواب المسجد، في سياق تقييد وجودهم في المسجد بأوقات الصلاة فقط، وعدم السماح لهم بالبقاء في المسجد أوقات طويلة، ففي 1 فبراير 2018 احتجزت قوات الاحتلال بطاقات عدد من المُصلين من الشبان على أبواب الأقصى خلال دخولهم للصلاة. وفي 15 مارس (آذار) 2018 اعتقلت قوات الاحتلال أحد الشبان خلال خروجه من الأقصى المبارك، من جهة باب القطانين، وتم نقله إلى أحد مراكز التوقيف والتحقيق التابعة للاحتلال في القدس القديمة.
هذه الاعتداءات الكبيرة لا تشكل إلا جزءًا يسيرًا مما يقوم به الاحتلال لإضعاف دور الأوقاف، ويحاول من خلالها استلاب دور الدائرة في إدارة الأقصى والإشراف على شؤونه، بالإضافة إلى أنها جزء من خطط الاحتلال التهويدية الرامية لإفراغ المسجد من المسلمين، والسيطرة على أجزاء من ساحاته، في سياق الحرب الشاملة التي تدفع رحاها أذرع الاحتلال، وسط شبه غياب عربي وإٍسلامي.
المصدر : ساسة بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة