كاتبة
من مشكلاتنا على شبكات التواصل الاجتماعي.. التواصل بين الجنسين
كتب بواسطة عزة مختار
التاريخ:
فى : تحقيقات
2154 مشاهدة
احتلت مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية مكانة هامة، وأصبحت ضرورة من الصعب الاستغناء عنها، وفي خضم حديثنا عن أخلاقيات التعامل معها، بما أنها أصبحت واقعاً مفروضاً، أتناول معكم هذا الخلق الذي يؤدي التهاون فيه لمصائب يدفع ثمنها المجتمع غالياً.
يدخل الرجل أو تدخل المرأة، يلقي أحدهما السلام وينتظر الجواب، ثم يعيد إلقاء السلام ويلحّ في الرد دون ضرورة تستوجب الحوار بينهما، وهو لا يعلم أن ذلك أشبه بالخلوة، فإن كان ثمة مصلحة تقتضي أن يكون هناك حوار مشترك فليكن سريعاً، وفي حدود متطلبات العمل، وانتقاء كلمات عامة لا تخجل أن تنشرها على العام ويراها الناس، "فالإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
وكثير من الحوارات تلك تتطور بسرعة غير عادية لترفع فيها الكلفة، ويتم تبادل المعلومات والاستشارات في أمور خاصة، وتعرف دقائق حياة كل طرف للآخر، وتحدد مواعيد خاصة للقاء، يتطور الأمر حتى يستغني كل طرف بالآخر عن جانب من حياته، قد يكون هذا الجانب هو الأهم في أسرته، أو عمله، أو صداقاته، أو إخوانه، أو دعوته، إن كان صاحب دعوة أو رسالة.
ومعظم تلك الحوارات تبدأ بحسن نية، لتنتهي بخصومة وعداء، أو وقوع في كبيرة، أو بيت يخرب، أو زوج تنتهك حرمته، أو والد تتم خيانته، أو أم تصعق من هول ما وصلت له ابنتها.
وينقسم الناس على مواقع التواصل الاجتماعي لأقسام كثيرة، منهم الجاد الذي يتخذ حسابه لتوصيل أفكاره للآخرين، والتواصل معهم، ومنهم المجرم الذي يبحث عن صيد في سوق مفتوح، يدخل باسم مستعار وصورة زائفة، وربما بجنس غير جنسه، وربما ليس هو الحساب الوحيد له!
ومنهم من يريد أن يملأ وقت فراغه بالتسلية مع أحدهم أو إحداهن، والمصيبة الكبرى أن تقنيات تلك المواقع التي أصبحت رقماً هاماً في حياة كل منا، إنك لا تستطيع كشف حقيقة من يحدّثك خلف الشاشة، فأنت تتعامل مع مادة مكتوبة ما لم يرد الطرفان غير ذلك -بالتواصل عبر المحادثة صوتاً وصورة مثلاً- فتقع الفتاة أسيرة لمعسول الكلمات، واللحية المستعارة، وجميل النصح، والإلحاح للتواصل باعتبارها الأولى في حياته، ويقسم لها أنه لم يتحدث لغيرها من قبل، فتصدق، وكذلك قد يقع أحدهم في براثن نقاب زائف، ومنشورات قرآنية معظمها مشارك أو مسروق، ونصائح وحكم تدل على شخصية محترمة، بينما هي في حقيقتها مجرد باحثة عن تسلية، أو باحثة على رجل تقضي وقتها معه، أو باحثة عن صيد تبتزه بعد أن تورطه.
ومعظم النهايات لا تنتهي بفستان عرس، بل تنتهي عند محامين يبحثون عن حق الضحايا، وليس كل حديث على الخاص يؤدي إلى تلك النتيجة، وإنما الحقيقة أن معظمها لا ينتهي نهايات سويّة، بل نهايات مأساوية، وقليل جداً من استطاع أن ينأى بنفسه عن تلك الفتنة، أو أنه استطاع أن ينقذ نفسه قبل السقوط.
والفتاة الملتزمة والشاب الملتزم من الصعب استدراجهما عبر محادثة عابرة عن طريق الخاص، وإنما يستلزم الأمر وقتاً طويلاً ليستطيع أحدهم أو إحداهن إقناعه بالانجرار للخاص، وفتح حوارات من شأنها التأثير فيه وإقناعه بشخصيته، وطالما أن الأمر وصل للخاص فالباقي سهل على الطرف المراوغ، وكل الخيارات متاحة.
لذلك يجب إغلاق الباب تماماً إلا من حاجة عملية فعلية، كزملاء عمل واحد، أو رئيس عمل وموظفيه؛ ليتوقف الأمر في حدود إعطاء أوامر وأخذ تقارير في أضيق حدود ممكنة، يستعاض عنها بلقاء العمل، أو إرسال رسالة لا تصل لحد الحوار -إن أمكن- إلا للاستفسار والاستيضاح.
ولا تتوقف إشكالية اقتحام الخاص على النتائج المخيفة التي تحدث حتماً، وإنما يعد هذا النوع من الحديث نوعاً من الخلوة المحرّمة، والتي هي انفراد الرجل بالمرأة الأجنبية عنه في مكان لا يراهم فيه أحد، حتى لو كان صفحة مغلقة على موقع اجتماعي، فإن كانت الخلوة بالجسد يخشى منها للتبسط في الكلام، والاستماع والنظر، فهذه يكون فيها الكلام أكثر جرأة؛ لعدم رؤية أحدهما للآخر، فتكون الجرأة أكبر والحياء مستتر.
موقف الشرع من التواصل على الخاص بين الرجال والنساء
قياساً على أحكام الشرع في الخلوة، نستطيع أن نصل لحرمة الأحاديث الخاصة بين الرجال والنساء رغم عدم توافر الاجتماع الجسدي، لكن هناك إمكانية لقاء مرئي، حيث تتوافر إمكانية الحديث بالصوت والصورة، ويمكن أن يقع فيها من التبسط والتكشف والاطلاع على العورات للشخص والمكان، فيطلع أحدهما على غرفة نوم الآخر -على سبيل المثال- وما يصاحب ذلك من كلام يصل في بعض درجاته كالحديث بين الأزواج.
وقد أجمع أهل العلم على أن خلوة الرجل بالأجنبية محرّمة حتى مع من أمن الشهوة، قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، فإن وجوده كالعدم". (المجموع 9/109).
وتلك جملة من الأحاديث النبوية التي تبيّن فداحة ذلك الذنب وتنفر منه، ما ورد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلونّ بامرأة ليس لها محرم، فإن ثالثهما الشيطان). (رواه أحمد 14651).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيّب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم). (مسلم 2171).
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: "يا رسول الله أفرأيت الحمو؟"، قال: (الحمو الموت). (البخاري 4934) والدخول يعني الخلوة.
أما خلوة رجل مع نسوة ففيها أقوال، واختلف فيها أهل العلم، فقد ذهب المالكية والحنابلة ووجه عند الشافعية إلى أن هذا داخل في الخلوة المحرمة، وذهب الحنفية وبعض محققي الشافعية إلى أنه ليس من الخلوة المحرمة شرعاً، قال النووي: "والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالباً؛ لأن النساء يستحين من بعضهن بعضاً في ذلك". (المجموع 7/87).
وتستطيع أن نستخلص من تلك الأحكام ما يلي:
- أن الخلوة معناها لغة: الانفراد، وفي حالة التعدّد لم ينفرد الرجل بالمرأة، ولم تنفرد به.
- أن نص الحديث يقول: (لا يخلون رجل بامرأة)، (ما خلا رجل بامرأة)، ولم يقل الحديث ما خلا رجل بنساء، ولا ما خلا رجال بامرأة، فهذه الصورة التي وقع فيها التعدّد لا تدخل في نص الحديث، ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: (لا يدخلن رجل على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان). (مسلم 2173)
- أن منع الخلوة إنما كان لأنها مظنّة الفتنة، وطريق إلى الإغراء بالمعصية، ومع وجود التعدد تصبح المظنّة بعيدة، كما جرت بذلك العادة.
هذا ويجب أن نضع في اعتبارنا أمراً هاماً، وهو أنه إذا توفرت الريبة في مجموعة من الرجال فلا يجب الخلوة لامرأة بينهم، وكذلك إذا اتفق لمجموعة من النساء سوء الخلق فلا يخلونّ بهم رجل، وتلك المواقع العامة لا أحد يعرف أحداً، والجميع حريص فيها على أن يبدو في مظهر أفضل من جوهره بكثير، فلا يأمن على نفسه فيه رجل أو امرأة، والأخذ بالحيطة هنا أولى؛ اتقاءً للشبهات، وحفاظاً على كل منهما.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة