شروخ في المجتمع، ألم في القلب، تباعد وتنافر بين الناس، كل ذلك نتيجة قيل وقال، التي يعاني منه مجتمعنا، قيل وقال هذه ناتجة بشكل كبير عن سوء التفاهم، يُقال الكلام بمعنى معين، ويُفهم بمعنى آخر، وبنظرة واسعة عميقة، نجد أن هذا التباين بين ما قيل وما فُهِم له الكثير من الأسباب ،سأذكر بعضًا منها في هذه المقالة:
الخلط بين التوصيف والتخصيص: ماذا أعني؟
قالت معلمة: المناهج التعليمية القاتلة لإبداع أولادنا، يجب أن تُستبدل بطريقة تعليمية أخرى "
فهم كلامها أنها تصف كل المناهج التعليمية، بكونها قاتلة للإبداع، وعلى الجميع استبدالها.
بينما في الحقيقية هي تخصص نوع خاص من المناهج التعليمية، والذي هو قاتل للإبداع، وأن هذا النوع الخاص، يجب أن يُستبدل.
وهكذا يمكن أن نقيس الكثير من الكلام على المثال السابق، ونأخذ وقتنا في فهم ما قيل، قبل أن نأخذ رد فعل.
الخلط بين الاستنكار والاستغراب:
في إحدى الحدائق، التقت سيدة بسيدة أخرى للمرة الأولى وتعرفت عليها، وكان معها ابنتها الصغيرة الشقراء، بعد قليل جاءت ابنتها الثانية السمراء، فما كان من السيدة الأولى إلا أن قالت بتعجب :" هذه أيضًا ابنتك، إنها لا تشبه أختها!!"، كانت ردة فعل السيدة الثانية عنيفة، إذا قالت لها:" أنتِ قليلة ذوق".
دماغنا البشري يستخدم التصنيف، والتعميم، من أجل تسهيل عمله، عندما رأت السيدة الأولى الفتاة الشقراء، عقلها صنف وعمم هذه الصفة على كل أخوتها، حتى دون أن تراهم، وتوقعت أن ترى الاخت الثانية شقراء أيضًا... فعندما رأت الأخت سمراء استغربت.
أما الأم، ولكونها تعرف نظرة المجتمع المسبقة، تلك النظرة التي تُفضل الشقراء على السمراء، لذلك توقعت أن السيدة الأولى تستنكر سمار ابنتها الثانية، وتقلل من قيمة جمالها، فردت عليها بهذا الرد العنيف.
الخلط بين الارتباط واللا ارتباط.
في الكثير من الأحيان، نقوم باللاشعور بربط بعض الأمور ببعضها، رغم أنها غير مرتبطة في الحقيقة، تكون الأمور أشبه بإناءين منفصلين عن بعضهما، لكننا نتعامل معهما وكأنهما كفتي ميزان، إن نزلت إحداهما، فبالضرورة أن الأخرى سترتفع، لنأخذ مثالًا لموضوع يتكرر بكثرة، وهو الحديث عن المرأة العاملة، والمرأة المتفرغة لتكون ربّة منزل، عندما يتحدث أحدنا عن ميزات عمل المرأة، فإن ما يُفهم منه في كثير من الأحيان، هو الذم، وبالتالي قد يُهاجم، ونتخذ منه موقفًا سلبيًا مع أن الموضوعين منفصلين، ولكل منهما إيجابيات وسلبيات، وتخضع للظروف الشخصية، وهكذا نربط بين الكثير من الأشياء غير المرتبطة أصلًا، ونعتبر مدح الطرف الأول هو ذم للطرف الثاني... وهذا غير صحيح دومًا.
الخلط بين المقارنة والحديث عن ذات الشيء:
لنأخذ مثالًا بسيطًا جدًا كي يتضح قصدي، عندنا ثلاث كرات، الأولى صغيرة جدًا، الثانية صغيرة، الثالثة وسط.
إذا أردنا وصف الثانية بذاتها، نقول عنها صغيرة، أما إذا أردنا مقارنتها بالكرة الأولى فنقول: الكرة الثانية أكبر من الكرة الأولى... يحدث عند الناس خلط بين كلمة كبير، وأكبر... مثلًا لو قال أحدهم أن الكرة الثانية أكبر من الأولى، فمن المحتمل جدًا أن يُفهم كلامه، أن الكرة الثانية كبيرة، وهذا بالطبع خطأ، لكن لنفترض أن شخصًا ما قرر أن يشتري الكرة الثانية، بناء على ما فهمه من كلام الشخص السابق، وظنه أن الكرة كبيرة، ثم اكتشف أن الكرة صغيرة، حينها قد يتسبب سوء الفهم هذا بمشاكل بينهما... هذا مثال بسيط، لكن في الحياة أمور هامة قد تُفهم خطأ بنفس طريقة المثال.
مهم جدًا أن نركز في كل كلمة تقال، ونفهمها جيدًا، ونستفسر عما يشكل علينا فهمه، كي نقلل من سوء التفاهم في مجتمعنا.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة