على ضفاف عام جديد
بخطواتٍ خجولة، وبأحلامٍ بقيت تحت جفون النائمين، تغادرُ هذه السنة الشمسية مثقلةً بآمال الخلاص وبمآسي الغدر والخذلان، لتدلُفَ سنة شمسية جديدة بأحلام السنة المُدْبرة نفسها، ويبقى السؤال على كلِّ لسان: متى تتحقق الأحلام، فيُعَزَّ المسلمون، ويُذَلّ الأعداء والمتآمرون، وتجني السنة المقبلة ما عجزت عن تحقيقه السنة المدبرة ؟!!.
كلما أدبرت سنة، كشفت بأن عدوّنا هشٌّ من داخله لأنه فارغٌ في الروح والقيَم، وأنّ أسباب قوّته التي يتباهى بها إنما يستمدّها بإضعافنا، وبجِدّه وتقدُّمه العلمي الهائل في الحياة الدنيا، وأنّ إضعافنا الذي يسعى الغرب لإبقائه إنما يكون بوسائل ثلاث، تُعَدّ كالسُّموم الزُّعاف التي تُدَسُّ في الأقوات ليَهْلك الطاعمون، وهي: الإحباط والتنازع والتقليد.
وترياقها الأملُ والاتحاد والاعتزاز بالهُويَّة الإسلامية.
وإذ تُقبلُ علينا سنة جديدة _ مع التذكير بأنّ مناط فخرنا بهُويّتنا وأمجادنا وأحكام شرعنا هو التأريخ الهجري والسنة القمرية_ فإنّ جمعية الاتحاد الإسلامي:
• تدعو المسلمين على امتداد جغرافيتهم أن يصافحوا فجرَ هذا العام بقلوب يَحْدوها الأمل بنَصرٍ قادم مهما طال الزمن، وأن لا يركنوا للمُرْجفين الذين يهوّلون الأخبار والنُّذر من أجل قتلِ الروح المعنوية. فإنّ أخطر ما يمكن أنّ يتعرض له المسلمون هو الإحباط؛ فهو الخِدْر الذي يسري في مفاصل الكيان، فيُعيقه عن المشي والإقدام، وما أُغلق كتابٌ بعد فتحه، وما أُرجع سيفٌ إلى غَمْده إلا بسَرْي تلك الدَّسيسة المهلكة.
ولقد وَسَم الإسلام القانطين بالضُّلَّال، في ظاهر قوله تعالى:
} وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {.
وعظّمَ خَطرَ أن يدسَّ المرء لأخيه سُمّ القنوط، فتفتر همّتُه، ويخلدَ إلى الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا قال الرجلَ: هلكَ النَّاسُ، فهو أَهْلَكُهُمْ " صحيح مسلم.
• وتدعو المتناحرين في بعض بلاد المسلمين إلى الالتئام ورصّ الصفّ وتغليب مصلحة العيش بعزّة أو الموت بكرامة على التعجرف الفارغ الذي يُفضي إلى الهزيمة تلو الهزيمة.. ولعلّنا نرى ما لا تُخطئه العين من مظاهر الفُرقة والخصام بين الذين يجمعهم دِينٌ واحد ولغة واحدة وجغرافية واحدة، وكلها مقومات قوة وغلبة، لكن عندما يَتفشَّى اليوم حبّ الظُّهور والتفرّد في أوساط أعداد من المسلمين ومثقّفيهم وزعاماتهم، مدفوعين بإغراء الثقافة الغربية الماديّة، فعندئذ تواجه هذه الأُمّة الحقيقةَ المُرّة التي أخبرعنها البيان الحكيم :
} ولا تَنَازَعوا فتفْشلوا وتذهبَ ريحُكُم{ .
وقد تنبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحالة الهزيلة التي ستمرّ بالأمّة الكثيرة العدد، فقال لأصحابه يوماً : " يوشِك أن تَداعى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُق كما تداعى الأكَلَة على قَصْعتها " أبو داود و أحمد بسند صحيح.
ولذا أكثرَ صلى الله عليه وسلم من إيصاء المسلمين بمثل هذا التوجيه: "عليكم بالجماعة، وإيَّاكم والفرقة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بُحْبُوحة الجنَّة فليلزم الجماعة" رواه الترمذي وصححه.
وما أحلمَ وصيةَ ذلك الأب لأولاده وهو على فراش الموت! :
كونوا جميعاً يا بَنِيّ إذا اعترى/ خَطْبٌ ولا تتفرَقوا آحادا
تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعن تكسُّراً / وإذا افترقن تكسَّرَتْ أفرادا
هذا وإنّ أسلوب الحرب الجديد الذي لا يكلّف الأعداء إلا الضحك والشماتة هو تفتيتُ الوحدة إلى شظايا عن طريق التنازع، ومن ثم استنجاد الشظِيَّة الواحدة بالعدوّ الذي سيساوم.
• وتدعو المبهورين ببريق الغرب أن يتحرّروا من عقدة النّقص، ويعلموا أنَّ استجلاب ثقافة هجينة وتقاليد جديدة يعني التفريط بقيمٍ ثابتة، فنحن نعيش في شطر الأرض ويعيش الغرب في الشطر الآخر، ولكل منّا طبيعة وميراث، وليس مُجدياً أن ننسلخ من قيَمنا وميراثنا ونستقدم صَرْعات الغربيين وبذاءاتهم.
فما فائدة أنّ نُضيء أشجار الكريسماس ونملأ واجهات محلّاتنا بدُمى القلوب الحمراء والدببة المنفوخة وقُبّعات (بابا نويل) ؟! أليس في ذلك عودة إلى الزمن الذي كانت قريش تقدّس فيه طقوسَها وتؤلّه أصنامها؟!.
وإنْ كان ولابد من الاقتباس، بحكم أن الشعوب تنقل تجاربها من بعضها،
فلنقتبس اقتباس تحقيق لا اقتباس تقليد.
وبهذا نفتحُ أولَ صفحة من كتاب السنة الجديدة، فنُقرئ أهل الصلاح في بلاد الحرمين منّا التحيّة والسلامَ، ونؤازر بصدق المرابطين في الأقصى، ونرسم البسمة على وجوه أطفال سوريا واليمن والإيغور في الصين، ونتضامن مع المظلومين في مصر وليبيا والهند وميانمار، ونشدّ على أيادي الثائرين في وجه الفساد والاستبداد في لبنان وسورية والعراق حتى يتحقق الأمن والسلام والعدل واحترام الإنسان.
هذا هو الترياق الناجع الذي ينبغي أن نُطبِّب به أنفسنا من سموم اليأس والفرقة والتقليد الأعمى، وعلى الله قصدُ السبيل.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة