إخصائية تغذية وكاتبة اجتماعية ومهتمة بقضايا الشابات
مفارقات
كتب بواسطة أفنان الحلو
التاريخ:
فى : قصص
966 مشاهدة
قبل أسبوع تقريبا؛ توقفت أمام أحد المجمعات التجارية، وعندما أردت أن أخرج من الموقف وأعود بالسيارة إلى الوراء، سمعت صوت الاحتكاك المعدني الشنيع الذي ينبئ بأن خراب البيوت قد حدث..!!
تجمدت للحظات في مكاني بينما تدفق الأدرينالين في عروقي قويا، أردت بضع ثوان كي أقدر الموقف وأعرف كيف أتصرف، خلال هذه الثواني كانت السيدة زوجة السائق الآخر قد أخرجت رأسها من السيارة وفعلت ما يتوجب عليها فعله: أطلقت سيلا من الشتائم البليغة فوق رأسي!! كان تصرفها مستفزا جدا في موقف لا أحسد عليه، الدماء تغلي في عروقي من الانفعال ويداي ترتجفان، لكن مع ذلك استطعت بطريقة ما النزول من السيارة والتوجه إلى نافذتها مع رسم ابتسامة على شفتي لأقول لها بكل هدوء: حسنا، هل تريدين استدعاء الشرطة؟
.
تصرفي الهادئ جعلها تهدأ وتتراجع. في الثواني التي تجمدت فيها قدرت أني في موقف لا أعرف فيه إن كانت الشرطة ستقرر أنني المذنبة أو لا، بالإضافة إلى ذلك فإن الأضرار لم تكن بليغة على أية حال، فلا داعي لتطوير الموقف، إن تكلفة استدعاء الشرطة أعلى من تكلفة الأضرار بكثير، لذا تحولت إلى استراتيجية امتصاص غضب العميل التي يعرفها جميع من هم في نطاق العمل!
.
عندما رسمت هذه الابتسامة ووجهت لها ذلك السؤال بكل هدوء، وأنا أضع يديّ في جيوبي كي أخفي ارتجافها، تقدم زوجها وأعطاني موعظة قصيرة في القيادة. حافظت على ابتسامتي وسلمت له بكل ما يقول.. قلت له أنه محق وكان يجب أن أعير انتباها أكثر للطريق! لم تطل الموعظة على أية حال بل هنأني على السلامة وبادلته التهنئة وتفرقنا.
.
الغريب في الأمر أني داخليا كنت أعيش سلاما نفسيا بالرغم من كل تلك الشتائم التي سمعتها، والتي لم أكن لأتحمل ربعها ولا عشرها على وسائل التواصل الاجتماعي!
-----------------------
في الآونة الأخيرة تقلصت قدرتي على تحمّل الاختلاف في وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد كبير، اعتبرت أن هذا من علامات التقدم في السن..! الحمدلله كبرت و لم أعد أتحمل الاختلاف ولا الاستفزاز.. أصبح يؤذيني نفسيا وفي العمق، ولم أعد أفكر مرتين قبل أن ألغي صداقة فلان أو فلانة لأننا لا نلتقي فكريا..
ثم اكتشفت أني لم أكبر إلى هذه الدرجة حيث أن قدرتي على تحمل الاستفزاز والاختلاف في العالم الواقعي أكبر بكثير، وتزداد يوما بعد يوم، وبعد تفكير أعتقد أني أفعل هذا كردة فعل لاعتقادي الأخير أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مكانا للتنظير البحت والمنظّرين – إلا من رحم ربي – والذين ينشغلون بالحديث عن العمل، بينما طيلة عمري أحب الذي يعمل ثم يتحدث..
.
يكبّرون الصغائر ويصغّرون الكبائر، لا يكتفون بأنهم ينظّرون ولا يعملون ولا يقدمون أي حلول فقط؛ بل أيضا يعطلون من يعمل عن عمله بتشويه صورة ما يعمل بفلسفتهم التي لا يحتملها الأمر ولا يتسع له، والأمثلة في ذلك أكثر من أن تعدّ وتحصى..
اكتشفت أني بتّ أقدر العمل – أي عمل – على أرض الواقع وأراه نعمة وفضلا من صاحبه يستحق الشكر والعرفان والاحترام، على الأقل قد أزاح جسمه من فوق الأريكة ورحمني من تنظيراته وقام ليعمل ! ونتيجة لذلك فإن صدري يتسع كثيرا لمشاكل الواقع، على الأقل أكثر بكثير من مشاكل السوشال ميديا!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة