لعلكم تتقون
رمضان سيد الشهور، وغرّة الدهور، فيه تقتطف الأجور، وتتزين الجِنان والقصور، شهر عظمه الله وكرمه، وفرض صومه وسن قيامه، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
رمضان موسم الخيرات والبركات، جعله الله مضمار للتسابق إلى الطاعات ورفع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، والتزود من الفضائل والمكرمات، نهاره مصون بالصيام وليله معمور بالقيام قال (صلى الله عليه وسلم): "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه..." رواه البخاري ومسلم، وقوله ( صلى الله عليه وسلم): "من قام رمضان إيماناً واحتساباُ غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخا ري ومسلم.
وكان ( صلى الله عليه وسلم) يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول كما في الحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ , تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ , وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ , وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ , لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ,مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " رواه النسائي.
وفي حديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه أنه ( صلى الله عليه وسلم) كان إذا دخل رمضان يقول: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ". رواه الترمذي.
ولقد كان سلفنا الصالح، والأخيار المتقون، يوطنون أنفسهم في رمضان على التزود من الطاعات، والإكثار من العبادات، كانوا قليلاً من الليل ما يَهْجعون وبالأسحارهم يستغفرون كانت دموعهم تسيل على خدودهم وهم جاثون على ركابهم يطلبون من الله فكاك رقابهم. يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم : إن المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا".
وكان ابن مسعود يقول: "أيها المقبول هينئاً لك، ويا أيها المردود الله مصيبتك" ونحن نقول أقبل يا رمضان، يا شهر الهدى والقرآن، يا شهر الجود والبر والإحسان".
أقبل فقد أثقلت كواهلنا الذنوب والأوزار، واشتاقت نفوسنا إلى السكينة والوئام، أقبل فقد ظمئت الأفئدة إلى ساعات الهناء، أقبل لتنزع من صدورنا الشحناء والعداوة والبغضاء، وتشقيها بالصفاء والنقاء والمودة والإخاء.
ما أحوجنا أن نصوم صيام الصالحين وقد زال ما بيننا وبين المؤمنيين، ما أحوجنا أن نرجم البائسين، ونحسن إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، فكم من حسنة غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب.
رمضان شهر الجود والإحسان، والكرم والعطاء، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، وأكرم الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة.
لنغتنم فرص هذا الشهر المبارك، ؟؟؟؟؟؟، فإن لله في أيام دهرنا ؟؟؟
ليكن رمضان ميداناً للتنافس إلى الطاعات، وفعل الخيرات لنكون من المقربين إلى رب الأرض والسموات في دار يقيمها دائم، وسرورها قائم، "مر الحسن البصري بقوم وهم يضحكون فقال لهم: إن الله عز وجل جعل شهر شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعحجب كل العجب للضاحك ؟؟؟ في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون".
وقيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذاب".
فيا باغي الخير أقبل على خيرات هذا الشهر وبركاته، شمري عن ساعد الجد واستقبليه خاشعة تائبة مستغفرة، اغتنمي أيامه بالعبادات الخالصة والأعمال الصالحة، ليكن صومك بالجوارح والأركان عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، وكف السمع والبصر عن محارم الله عز وجل، ولا تجعلي يوم صومك ويوم فطرك سواء، فكم من صائم مفطر ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من مفطر صائم. يقول ( صلى الله عليه وسلم): "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
ويقول مجاهد: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب.
أسرعي أختي المسلمة ولاتتراني وأكثري من الصلاة والذكر وتلاوة القرآن، واعتقي رقبتك من النيران. يقول ( صلى الله عليه وسلم): "رغم أنف رجل ذخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له" رواه الترمذي، فيا من أسرفت على نفسك لا تقنطي من رحمة الله ذي الجلال، فما من ليلة إلا ويتنزل الملك جل جلاله إلى السماء والدنيا من يبقى الثلث الأخير من الليل، يعرض علينا جوده وكرمه وإحسانه، ورحمته ومغفرته قائلاً: "من ذا الذي يدعوني فاستجيب له؟
من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟
فيا أرحم الراحمين يا من تبسط يدك بالليل ليتوب مسيء النهار، وتبسط يدك بالنهار ليتوب مسيء الليل، يا من سترت عيوبنا وذنوبنا، جئناك تائبين خاشعين مستغفرين، أما أنت القائل يا الله: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرتها لك ولا أبالي. فلا ترونا يا الله عن باب رحمتك ورجائك خائبين واجعلنا من عتقاءنيرانك أجمعين.
اللهم أهل علينا شهر رمضان بالخير والبركات، واختمه بصفحك ورضوانك ومغفرتك، واجعل مآلنا إلى جنتك.
أنا العبد الذي كسب الذنوب وصدته الأماني أن يتوب
أنا العبد السقيم من الخطايا وقد أقبلت التمس الطيب
أنا العبد الفقير ظلمت نفسي وقد وافيت بابكم منيباً
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن