ذكرى الحبيب ﷺ
لم يَحفِل الفكر الإنسانيُّ بسيرة إنسانٍ كما حفَل بسيرة رسول الله ﷺ، وما زال دينُه في ظهور على قلَّةٍ في الإمكانات، وتقصيرٍ في الدعوة إليه.
فما السِرُّ يا ترى؟! إنَّه - بلا ريب - شخصُ رسول الله ﷺ، مَجمع الفضائل الإنسانيَّة، وتمام العظمة البشريَّة.
ذلك التفرُّد في الفضل لا يُضاهيه إلا التفرُّد بتواضعٍ جمٍّ، لو أنَّه وُزِّعَ على أهل الأرض لوَسِعَهم! هو النبيُّ الأُمِّيُّ الذي وُلِدَ بين ظهرانَيْ أُمَّةٍ لا ذِكْرَ لها يُعرف - آنذاك - بين الأُمم؛ فأتاهم نور العالَم حتى صاروا خيرَ أُمَّةٍ أُخرِجت للناس.
هو شهر ربيعٍ الأول: اسمه محبوب، وهو محبوب، وما كان حبُّه إلا لمولد رسول الله ﷺ فيه.
لهذا الشَّهر في الإسلامِ فضلٌ
وإفضالٌ يفوقُ على الجميعِ
سُمَاهُ وَهُوَ والمولودُ فيه
ربيعٌ في ربيعٍ في ربيعِ
وهو الإثنين الذي شَرُفَ - أَبَدَ الدَّهر - بمولد المصطفى ﷺ فيه «سُئِلَ رَسُولُ الله ﷺ عَن صَومِ الإِثْنَيْن، فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ» [مسلم].
وهو عام الفيل، عامٌ حَفِظَ اللهُ فيه بيتَه الحرامَ من أبرهةَ الحبشيِّ النصرانيّ، علمًا أنَّ أهل مكَّةَ كانوا - إذ ذاك - عَبَدَةَ أوثان؛ ذلك كلّه تكرمة لقرب مولد رسول الله ﷺ.
إنَّ العالَم الإسلاميَّ لم ينسَ، ولن ينسى فضلَ هذا الرسول الكريم ﷺ؛ ففي كلِّ شهرِ ربيعٍ الأول من كلِّ عامٍ هجريٍّ تهفو النفوس، وتتشوَّف الأرواح لذكرى الحبيب، فتُقام معالم الزينة، وتنطلق الألسنة بفَيْض الثناء، وتَفِيض القلوب مسرَّةً وفرحًا.
إنَّ ذلك كلَّه بعض ما يجب لهذا الرسول الأكرم من إجلالٍ وإعظام، لكن أليس الأوجب أن لا يقتصر إحياء هذه الذكرى على أضواء تُنير المآذن، وحلوى تُوزَّع ابتهاجًا، وحفلاتٍ تُقام، وأبحاثٍ تُدوَّن، وخُطبٍ تُخطَب ؟ إنَّ ذلك كلَّه لا يفي بالتعظيم، ولا يُحقِّق معنى التكريم، إنَّما التكريم الحقُّ والتعظيم الصادق يكون بإحياء هذه الذكرى - أولًا - في نفوسنا: بعقيدة سليمة، وأخلاق قويمة، وعلم نافع، وعمل صالح، وبأن نكون أُمَّةً رشيدةً ترقى إلى تعاليم النبيِّ ﷺ.
إنَّ الإجلال الصادق إنما يكون بالاستمساك بقرآننا الكريم، والاستنارة بسنَّة صاحب الذكرى ﷺ، بذا - وحسب - يرضى عنا رسولُ الله ﷺ. أما أن نتلوَّن بانتماءٍ لقوميَّة، أو لجنسيَّة، أو لحزبيَّة، أو لنُعرة، أو لعصبيَّة، ثم نَعمَد بعدها إلى الاحتفاء بأناشيدَ، ومدائح، وأهازيج مع اختلاط بين الجنسين، وهم يتمايلون طربًا لتفريد مادحٍ، وتغريد فرقةٍ، فذاك مُنافٍ - قطعًا - لحسن الاتِّباع، ومُثبِّطٌ - حقًا - لإعلاء شأن هذه الأُمَّة والنهوض بها.
أُمَّة الإسلام: فلْنكتب بمحبَّةِ رسول الله ﷺ أسطرًا في الحضارة والعزَّة والكرامة، ولْنُعْلِي جباهَنا؛ مُعتزِّين بدينٍ أتى به نبيُّنا ﷺ، ليرفع الإنسانيَّة من حضيض الجهل إلى أَوْجِ العلم، ومن ظلمات الظُّلم إلى نور العدل.
{قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!