ولد في مدينة حلب من سورية عام 1370هـ الموافق 1951م، دخل كليّة الشريعة في جامعة دمشق عام /1969/م وتخرّج فيها عام /1974/ م. عمل إماماً وخطيباً في بعض المساجد في حلب، كما عمل في التعليم في بعض المدارس المتوسّطة والثانويّة التابعة لوزارة التربية . ثمّ عمل مدرّساً في الثانويّة الشرعيّة. بعد خروجه من سورية قدم إلى المملكة العربيّة السعوديّة بتاريخ 1403هـ، وعمل في مدارس الفلاح أحد عشر عاماً ، ثمّ تركها،
سِياحةٌ ربيعيّة في رياض المَدائح النبويّة
الحمد لله القائل: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. والصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين، المَبعوث رحمة للعالمين، والمَخصوص بالخلق العظيم، ولواء الحمد يوم الدين، وبعد؛
فالصلاة على النبيّ ﷺ من الله تعالى ثناء ورفعة قَدر، ومِنَ المَلائكة تعظيم وإعلان فضل، ومِنَ المُؤمنين حبّ واعتراف وَشكر. وهذا كلّه مِن رفع الذكر، الذي أعلنه الحقّ تبارك وتعالى بقوله: {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].
ولقد كان أعظم الثناء والمَدح للنبيّ ﷺ في القرآن أن صَلَّى عَلَيْهِ الله جلّ جلاله، وأخبر أنّ ملائكته الكرام يصلّون على النبيّ، وأمر المُؤمنين أن يصَلّوا عليه بلا حدّ ولا عدد، وَلا قيد ولا أمد.
فالصلاة عليه دائمة بدوام الله تعالى، شاملة لكلّ شيء في الوجود، هي عبادة من أعظم القربات إلى الله تعالى. وهذا المَدح والثناء الذي تجَلَّى في هذه الصلاة العامَّة الشاملَة، تبعه المَدح والثناء بما خصَّه اللَّهُ من مكارمَ وخصائص، لا تعدّ ولا تحدّ؛ منها ما ذكر في القرآن، ومنها ما نصّت عليه صحاح السنّة، وهذا ما أطلق ألسنَة المُحبّين عبر التاريخ بالمَدح والثناء، للتعبير عَمّا اشتملت عليه قلوبهم من عظيم الحبّ والتعظيم والتوقير، الذي أمرهم اللَّهُ به جلّ في علاه بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)} [الفتح].
وقوله سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) } [الأعراف].
وقد سبقَ مَدحُ الله تعالَى كلَّ مَدح، وثناءُ اللَّه كلَّ ثناء، وحبُّ اللَّه كلَّ حُبّ، وتعظيمُ اللَّه كلَّ تعظيم. فلا عجبَ أن تنطلق ألسنَة المُؤمنين المُحبّين بأفانين القول نظماً ونثراً اتّباعاً لأمر الله تعَالى وطاعة، وحبّاً بهذا النبيّ الكريم ﷺ، وتعظيماً وشوقاً، وإشادة بخصائصه وصفاته، ومحاسن شريعته، ومكارم هديِه وَسُنَّته.
وحفظ لنا التاريخ الإسلاميّ من تراث المَديح النبويّ، الألوف المُؤلّفة من عيون قصائد الأدب الرفيع من مشاعر الحبّ الصادق، والشوق والحنين، وَما يَعتلج في القلوب والأرواح من معان يرقى بها الإيمان، ويفيض بها على الجوارح واللسان، وتجدّد العلاقة باللَّه تعالى ورسوله ﷺ ليكون اللَّهُ ورسولُه أحبَّ إلى المُؤمن ممّا سواهما.
وإذ كان من حقّ كلّ مؤمن أن يضرب من هذه الغنيمة بسهم، وأن يدخل ميدان السباق، وينافس المُتَنافسين، تقرّباً إلى الله تعالى، وعسى أن يحشر مع المُحبّين المَادحين فقد تجرأت على اقتحام هذا المَيدان بما لديّ من بضاعة مُزجاة، وأنا أعلم أنّي لست من فرسان البيان، وأنّ بضاعة العيِي لا يليق أن تعرض على أفصح الفصحاء، وأبلغ من نطق بالضاد، وأوتي جوامع الكلم، ولكن كلّ ينفق ممّا عنده، ولا يكلّف الله امرءاً إلاّ وسعه.
وهذه قطوف يسيرة، ممّا منّ الله به على عبده، من المَدائح النبويّة، في منَاسبات مختلِفة، وعلى مدار عدّة سنوات، أقدّمها بمناسبة تجدّد ذكرى ميلاد سيّد الأوّلين والآخرين، وأسأل الله تعالى أن يتقبّلها منّي، ويسلكني في عباده المُحبّين الصادقين.
وُلد الهُدَى وتَوالَتِ الآلاءُ وتَزَيّنت بجماله الأسماءُ
والنورُ يَسطعُ غامراً مُتَلألأً والحقُّ أبلجُ ظاهرٌ وضّاءُ
وهُداكَ يَسري رَغمَ كَيد عِداتِه فيَزُولُ عن ظُلَم القُلُوب غِطاءُ
وتسربل الطاغوت في كهف الردَى وتدثّرت بغبائها الظلماء
يا أيّها المَبعُوثُ فينا رَحمةً عمَّت هدَاياها وجلّ عطاءُ
جَادت على الدنيا بفَيض سَخائها فاخضَلَّ رَوضٌ واكتَسَت جَرداءُ
وحَباه ربّ العرش حُبّاً غامراً عمّ الوُجُود فما له نظراءُ
وأتَيتَ أمّيّاً بقَول مُعجِزٍ منه اغتذى العُلمَاءُ والحكماءُ
مَهما تَغنّى الناسُ عَن أمجادِهم مجدُ النبوَّة ختمها الطغراءُ
دُهشوا بما أُعطيتَ مِن إفضاله فهُمُ ببابِ عُلومِكَ الفُقراءُ
صَلّى عَليكَ اللهُ مَا ليلٌ سَجَى وتَوالَتِ الرحَمَاتُ والآلاءُ
تُهدِي الصلاةُ عَليكَ نوراً سَاطعاً والكونُ يَشدُو والدنَى غَنّاءُ
وقلت في مناسبة ذكرى ميلاد أخرى:
مِن بطن مَكّة قد أطلّ ضِياءُ يكسُو الوجُودَ فعَمّت النعماء
وامتدّ نُورُ محمّد بجماله فالأرضُ مِن بعدِ الأسى غنّاء
والظلمةُ العَمياءُ بدّدها الهدى بالرحمة العُظمى فجلّ ثناء
يا خاتَمَ الأخيار يا كنزَ الرضا أنتَ الهُدَى والرحمةُ المِعطاءُ
وأتيتَ بالذكر الحكيم مُعلّماً تَشريعُه دانت له العُظماء
باقٍ على كلّ العُصور تحدّياً لم تُبله السرّاء والضرّاء
والسنّة العَصماءُ وحي خالص فاضَت بحكمتها وجلّ عطاء
طوبى لنا بك يا حبيب مُعلّماً ومزكّياً تمّت بكَ الآلاء
طوبى لنا بك يا مُحمّد هادياً لمَكارم محِيَت بها البرحاء
سُبحانَ أعطاكَ فضلاً سابغاً يزداد مهما أجلب الأعداءُ
خُلُقٌ عظيمٌ لا يُقدّرُ وَصفُه ولجودِه تَعنُو له الكبراءُ
وتنزَّلت رَحَماتُ ربّي بالرضا فتَضوّعت مِن نشرها الغَبراء
والمُعجزات على الزمَان حقائق تهدي وللطاغين سُمّ داءُ
ما مثل أحمد في الوجُود بفضله عمّت به الخيرات والنعماء
صلّى الإله عليك يا خير الورى وشَدَت بذكرك في الوجود ذُكاءُ
وقلت في مناسبة ذكرى ميلاد أخرى، مُشيداً بالشمائل النبويّة العَطرة، وآثارها في إصلاح القلوب والمُجتمعات:
سُبحانَ مَن مَنحَ الحبيبَ شَمائلاً هيَ للمُحبَّ ريَاضُه الغَنّاء
وبها الهِدايةُ أشرقَت مِلءَ الدنى وتَضوّعَت بعَبيرها الغَبراء
هي درّةٌ نَعِمَ الوجودُ بحُبّها وبها تَسَامَت شِرعةٌ سَمحاءُ
هي خَتمُ كلّ رسَالة ونُبوّة وهي الحقيقة ما لها نُظراء
جُمعَت بها أسرَارُ كلّ شريعة فلهَا السمُوّ ورفعة وعلاء
فالكونُ يَشدُو في فضائل أحمد ويُمدُّه نور الهُدَى المِعطاءُ
يا سيّدَ الكونين نورك ساطع تُجلَى به الغَمّاء والظلماء
كلُّ المَذاهب دُونَ هَديكَ ضِلّةٌ وقُصارى ما فيها هي الأهواءُ
ورَفعتَ بالأخلاق صَرخاً شَامخاً فلنا به استهداء واستغناءُ
أكرم بمَن صَلّى عليه مُعظّماً فله العَطا وله الرضا ورجاء
يا ربّ فاقبل مدح أحمد مُنجياً يومَ اللقا إذ عزّتِ الشفعاءُ
صَلّى عليكَ الله يا بَدر الهُدَى ما أشرقَت شَمسٌ وعَمّ ضيَاءُ
وشَدا المُحِبّ بمَدحكم مُترنّماً ومَديحُكم هو للقلوب دواءُ
ولقُدوم شَهر ربيع الأوّل مَشاعرُ في قلوب المُحبّين خاصّة، وأذواق غنّاء، ومباهج حسناءُ، لا يعرفها إلاّ مَن ذاقها، وقد ينكرها غيرهم، ولا يَعترف بها:
هَلَّ الرَّبيعُ وفي القلوب تَربّعا بدراً كتاج في السماء مُرصّعا
ألقى على الدنيا نَضارةَ حُبّكم فزكت مَرابعها وكانت بلقعا
وتَطيّبت في حبّكم وتَزيّنَت وغَدَت به تحوي الجمالَ الأنصعا
مِن بؤسها كانت غريقة بؤسها ولَكَم ببلواها استدرّت أدمعا
لمّا أطلّ على الوجود جمالُكم أحيا مواتاً كان شَرّاً مُفزعا
يا مَن بُعثت إلى الأنام مُعلّماً وكتابُكَ القُدسيُّ كان المَهيعا
لكَ في القلوب محبّة تحيا بها وتكونُ للخير العميم الأسرعا
صلّى عليك الله ما تال تلا آيات ربّي خاشعاً مُتضرّعا
وعلى الصحابة والقرابة والأُلى كانُوا لهذا الدين روضاً مُمرعا
وللمُحبّين لغتهم الخاصّة، وأذواقهم الرفيعة، ومشاعرهم الرقراقة في التعريف بحبيبهم، واكتناه أسرار الحبّ، والعيش في صفو العلاقة مع المَحبوب، التي تزيد الحبّ وتؤجّجه، فلا عجب أن يكتشفوا من آفاقه ما لا يخطر على بال غيرهم، ولا يحيطون بشيء من علمه. ولغتهم لا تخرج عن معين الرشد، وقول الحقّ:
هُوَ المَحمودُ حقّاً والبشيرُ هُوَ النورُ المُبينُ هُوَ النذيرُ
وسَيّدُ مَن رأته الأرضُ طرّاً وأعلى قَدرَه المَولى القَديرُ
سَرت مِن ذاتِه التقوى ونُورٌ فيا نِعمَ التزوّدُ والمَسيرُ
وأحيَت بالهُدَى والحبّ رُوحاً ولولا الحُبّ ما حَييَ الضميرُ
ورَحماتٌ على الأكوان فاضَت وفضلُ الله ممدود كبير
تَنَوَّرَ بَاطِنِي فِي حُبِّ طَهَ فسِرّي شَأنُه أبداً سُرُورُ
وقَلبي بالصفاءِ يَهيمُ شَوقاً وَطَرفِي فِي الهَوَى مِنهُ قَرِيرُ
وَذَرَّاتُ العَوَالِمِ فِي ظَلاَمٍ بما تجني ويهلكها الغُرور
وتشقَى في مَتاهات وبُؤسَى وَمَحبُوبِي لَهَا أَبَدَاً مُنِيرُ
أؤبُ إليه في سِرّي وجَهري كمَا حَنّت لأوكار طُيورُ
فيا بُشراي بالهَادِي فإنّي بحبّ مُحمّد أبداً قرير
عليه الله صلّى كلّ حين وحَفّته المَحبّةُ والحُبور
فصلّوا يا أحبّة واستجيبوا فمَن أحيا الصلاة له الأجور
وختاماً: خير ما نزجي للحبيب الهادي، بل لأنفسنا هذه الصلوات، التي نستدرّ بها من الله رحماته وبركاته، ونسأله سبحانه أن يكرمنا بشفاعته، ويحشرنا تحت لوائه:
اللّهم لك الحمد كما أنت أهله، وصلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد كما هو أهله، وافعل بنا ما أنت أهله، إنّك أهل التقوى وأهل المَغفرة، اللّهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى عَبْدِكَ ورَسُوْلِكَ سيّدنا محمَّد، سيّد الأوّلين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللّهم صلّ على سيّدنا محمّد؛ طبّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلّم.
اللهم صلِّ وسَلّم وبارك على سيّدنا مُحمّد في الأوّلين، وصلِّ وسَلّم وبارك على سيّدنا مُحمّد في الآخرين، وصَلِّ وسَلّم وبارك على سيّدنا مُحمّد في المَلأ الأعلى إلى يوم الدين، وصلِّ وسَلّم وبارك على سيّدنا مُحمّد كلّما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، وصلِّ وسَلّم وبارك على سيّدنا مُحمّد، واملأ قلوبنا بحبّه، وأوردنا حوضه، وأكرمنا بشفاعته، وارفعنا عندك في علّيّين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللّهمّ صلّ وسَلّم وبارك على مَن أنقذ الإنسان من محنته، وزيّن الوجود بسنّته، وهدانا إلى رضوان الله تعالى وجنّته.
اللّهم صَلّ وسَلّم وبارك على سَيّدِنا مُحمّد، صَلاة تُحسّنُ بها الأخلاقَ، وتُيسّرُ بها الأرزاقَ، وتَدفعُ بها المَشَاقَّ، وتَملأُ بها الآفاقَ، وعلى آله وصَحبِه، صَلاةً تامّةً دائِمة، مِن يَوم خلقَت الدنيا إلى يَوم التلاق، واستُرنا بَينَ يَديكَ يا عَزيزُ يا خَلاّقُ.
اللّهم صلّ وسَلّم وبارك على سيدنا مُحمّد، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً، صلاة تفتح لنا أبواب الرضا والتيسير، وتغلق بها أبواب الشرّ والتعسير، وتجعلنا عندك في أسعد مصير، أنتَ مولانا، فنعم المَولى، ونعم النصير.
اللّهم صلّ وسلّم وبارك على صاحب أرشد عقل وأكمله، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
اللّهم صلّ على سيّدنا محمّد، طبّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلّم.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!
ضَوْءٌ لَمَعَ وَسَطَ المَدِينَة