طوفانٌ على شاطئ سَنةٍ جديدة
طوفانٌ تندفعُ أمواجُه لتغسلَ العالَمَ من أدران الذُّل التي غطّتْ جسده، ومن مشاعر اليأس التي أرقدتْه وأطفأت فيه جَذوة الانتقام من ظُلَّامه لسبعة عقود انقضت.
سنةٌ شمسيّةٌ جديدة تكاد تكون بِدْعاً من السنين، صحيحٌ أن لها بسابقاتها جامعَ غمٍّ آت، وجُرحٍ نازفٍ، وعينٍ دامعة من الخيبة، إلا أنَّ هذه السّنة تُطِلّ علينا على الرغم من الدماء النازفة والخذلان المُرّ بهامةٍ مرفوعةٍ تُحيي في أنفسنا آمالَ العزّة ودحر المحتلين وفضح العملاء المتآمرين.
تسطّر غزةُ بدمائها في الصفحة الأولى من السنة الجديدة وبالنيابة عن الأمّة ملحمةَ التحرر من أغلال الذُّل والعار، التي قيّدتْ أعناق الأمة لسنواتٍ طوال. ويمكن لكل إنسان اليوم أن يتبيّن هذه الصفحة ويقرأ فيها هذه السطور:
السطر الأول: إنّ مقولة 'الجيش الذي لا يُقهر'، التي صُدِّعت رؤوسنا بها هي مقولةٌ كاذبةٌ، وإنما الصواب هو: 'الجيش المهزوم' الذي يَسجنُ نفسه في دباباته فيبول على نفسه خَشية الخروج وملاقاة جنود القسّام.
السطر الثاني: إنّ أخزى تسميةٍ يُوصم بها العامُ المنصرم هي أنّه 'عام استهداف المدنيين' من نساء وأطفال ومَرضى، لاذوا بمستشفيات ومدارس، فهدمها الجيشُ المعتدي الجبان على رؤوسهم، في الوقت الذي لم يُظهر لنا صورةً واحدة موثّقة لجُثّة قسّاميٍّ شهيد!
السطر الثَّالث: إنّ شعبَ غزَّة من أعجب شعوب الأرض، بل من أكثرها اصطباراً وصموداً، فرغم مرور تسعين يوماً على المجازر الصهيونية، وعلى الإبادة الجماعية، وعلى التهجير المقصود، لم يوثّق الإعلام مشهدَ امتعاض واحد، يتبرّم فيه أهلُ غزة بالمجاهدين، ويلومونهم على ما حلّ بهم، وكأنَّ بركةَ بيت المقدس سرتْ في نفوسهم فرَبَأت بهم عن ضعفها الطبْعي المعهود، خاصَّةً في مثل الأحداث المرعبة المَهولة. فلم يشتكِ النَّاس هناك، بل رفعوا لبارئهم آيات الحمد والشُّكر، وهم يودّعون فِلذات أكبادهم.
السطر الرابع: اصطحبتْ السنة الجديدة معها مصطلحاتٍ عربيَّةً جديدة لمعانٍ لم يعرفها العربيُّ على مرّ تاريخه، لكلّ مصطلح قصةٌ هي غاية في الوجع، يعرفها المتابعون، من مثل: ( ما تعيِّطش يا زَلَمة.. إنت زلمة) (ينتقمون منا في الوُلاد.. معلش) (هَي روح الروح) (استشهدوا كل أفراد عائلتي وبقيت وحدي) (يوسف شَعرُه كيرلي أبيضاني وحلو) (إنت بس تكون راضي يا رب).. وكلمات أخرى توازي الواحدة منها مَدرسةً في التسليم والصبر.
السطر الخامس: إنّ في الحروب مسافةً خطيرة، يخشى الاقتراب منها الجنود ذوو البأس الشديد، تسمى (مسافة الصفر). اقتحمها جنود القسّام ببسالةٍ نَدَر نظيرها، وكتبوا على جبين التاريخ أسمى آيات الرجولة والشجاعة.
السطر السادس: إنّ فكرة إحياء دولتين في فلسطين فكرةٌ متخيَّلة خدّاعة، وإنَّ الصراع مع الصهاينة صراع وجود، فإمّا القتال أو القتال، ولا شيء غيره.
السطر السابع: إنَّ أكثر أعداء الإنسانية هم أدعياء حماية حقوقها، وإنَّ الغرب الذي يلوكُ أهلُه ألسنتَهم بالحديث عن الحقوق والمواثيق هو ذاته الذي فتح الطريق لتدفّق الجنود والعتاد والطائرات؛ لمساندة الكيان الغاصب ضد بُقعة أرضٍ لا تعدو مساحتُها 350 كم٢. فأولئك أعداء الإنسانية لا حُماتها.
السطر الثامن: كشفت هذه السنة ما عجزتْ عن كشفه السنوات العِجاف السابقة، وهي أن دولاً عربية كانت تزعم لعقود مرّت حملَ همّ القضية الفلسطينية، وإذ هي تتاجرُ بها، بل وتشارك في حصار غزة، وتحمي ظهرَ الصهيونية.
هذه بضعةُ سطور مقروءة، وما أكثرَ الصفحات التي سيكتبها التاريخ وتقرَؤُها الأجيال في السنة الجديدة، التي تكشف زَيف أسطورة الصهيونية، وتُحرج المتخاذلين والعملاء، وتنشر في نفوس المسلمين أحلامَ تحرير المسجد الأقصى من نِير احتلال السَفَلة المعتدين، فيدخلونه أفواجاً فيصلُّون فيه، وما ذلك على الله بعزيز.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!