يا أُمَّة الإسراء والمعراج!
لـمّا تلوتُ ليلةً مَطلع سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ أَلْفَيْتُه آيةً واحدة أجملَتْ تفاصيلَ حدثٍ لم تشهد البشرية مثيلًا له، وهذا أمر بات مقرَّرًا معهودًا لدى الأمَّة جمعاء. لكنْ إذْ تدبَّرت في طيَّاتها طافت بقلبي خطَرات قضَّت مضجعي وأَسْهَرَتْ ليلي، لم تكن بدت لي من قبل.
قال قائل التدبُّر: أليست مفارقة عجيبة أن تُقيم أمَّتنا الإسلامية – في مشارق الأرض ومغاربها- احتفالاتٍ حاشدةً بتلك الحادثة الجليلة، تستذكر فيها تلك الليلة العجيبة، والـمِنَّة العظمى على نبيِّها صلَّى الله عليه وسلَّم، بالصلاة -إمامًا- في سائر المرسَلين في المسجد الأقصى، فصارت بذلك أمم الأرض تبعًا لأمَّتنا، ثم تكون – في الوقت عينه- فلسطينُ الحبيبة المباركة كاملة، لا مسجدها الأقصى وحسب، تبعًا لأمَّة مغضوبة هي مِسْخٌ بين الأمم، كانت مشتَّتة، تتسكَّع في مناحي الأرض عالةً على أهلها؟!
أليست مفارقة عجيبة أن تعمل حثالة من أحفاد يهودَ، جادِّين يفعلون ما يقولون، عملوا حتى غصبوا أرضًا، وهدموا بيوتًا، وشرَّدوا شعبًا، والمسلمون في بقاع الأرض يرقُبون الوضع لا عن كثب، يقولون في -مؤتمراتهم– ما لا يفعلون، متجمِّدين لا يتحرَّكون، وغيرهم جادُّون ماضون إلى ما يريدون؟!
أليست مفارقة عجيبة أن تستعرض الأمَّة المسلمة في هذه الليلة، كيف أن الله تعالى رفع فيها مقام نبيّها المكرم العظيم فوق سبع سماوات طباقًا، إلى سدرة انتهت إليها علوم الخلائق، ثم هي بعد ذلك ترضى بالدُّون من المنازل، لتأتي منزلتها في أُخريات الأمم والشعوب؟!
أخيرًا، وليس آخرًا: أليست مفارقة عجيبة أنْ أطْلَعَ اللهُ سبحانه نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم على أسرار الكون وعجائبه، وملأ قلبه الشريف بالعرفان، بعد أن ملأه بالإيمان، وأنْ أمر أمَّته بالسير في الأرض لاستكشاف مكنونها، والنظر في الكون لاستعلام أسراره، ثمّ هي بعد ذلك تقنع بقشور من علوم الدنيا، فتتأخر عن رَكب الحضارات، لتسير حبوًا تبعًا لغيرها، وهي ترضى بفُتاتٍ من علومٍ تُلقى إليها؟!
فيا أمَّة الإسراء والمعراج، احتفلوا بذكراه العطرة لا بفرحٍ بها وحسب، بل بمنافسة الأمم وسبقها وريادتها، احتفلوا بذكراه العطرة بعمل جادٍّ لاستخلاص أقصى الإسراء من غاصبيه، احتفلوا بعلوم الدنيا مستمسكين بالدّين، وإلّا –كما نشهد واقعًا- ستكون بلادكم فلسطينَ تِلْوَ فلسطين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة