بابٌ للعبادة لا تغلقوه
أحلّ الله تعالى الحلال وحرّم الحرام، وهو العليم بمن خلق، المُعين لنا على عبادته، هيّأ لنا وسائل تعيننا على طاعته، مثل استشعارنا مراقبة الله لنا في السر والعلن، معرفتنا جزاء طاعتنا أو معصيتنا في الآخرة، وهذه هي الأكمل، وكذلك هيّأ الله تعالى لنا وسائل دنيوية عاجلة ملموسة معينة على الطاعة، مثل ضرر أكل المحرّمات، أو فوائد الصيام الصحية، أو شعور الخجل من فعل المعاصي أمام الآخرين، شعور عدم الارتياح الداخلي عند فعل المعصية، وغيرها.
في الطفولة المُبكرة يفهم الطفل الأشياء المحسوسة، بينما لا يفهم المجردة، وعندما يكبر يزداد فهمه للمجرد، لكن يبقى المحسوس والعاجل هو الأكثر تأثيرًا على غالبيتنا.
يظن بعضنا أن ذكر الآثار الدنيوية المحسوسة أو العاجلة للعبادات، يتناقض مع إخلاصنا لله تعالى، لذلك يكون كل تركيزه على استشعار مراقبة الله لنا فقط.
الأثر الدنيوي المترتب على الطاعة والمعصية، كثيرًا ما يكون الباب الذي ندخل منه للطاعة، ثم نترقى في مدارجها، فتصبح خالصة لله.
قد تضعف أنفسنا، فنهمّ بفعل المعصية، وما يحجزنا عنها ابتداء هو خوفنا من آثارها الضارة، ثم تقوى أنفسنا ونبتعد عنها طاعة لله، أو كما قال أحد السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله، فلنحمد الله الذي خلقنا وهو أعلم بضعفنا، والذي جعل لنا أسبابًا مختلفة تبعدنا عن المعاصي وتقربنا من الطاعات.
قد يخاف أحدنا الكذب ابتداءً، كي لا تنكشف كذبته ويشعر بالإحراج، ثم يكمل طريق الصدق طاعة لله تعالى.
قد يبتعد الشاب عن الزنا ابتداءً خوفًا من الأمراض، أو خوفًا على أهل بيته، ثم يبتعد عنه طاعة لله تعالى.
كحال الشاب الذي وردت قصته في الحديث: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: ((ادنه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبه لأمك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم))، قال: ((أفتحبه لأختك))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبه لعمتك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم))، قال: ((أفتحبه لخالتك))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه))، فلم يكن بعد – ذلك الفتى – يلتفت إلى شيء؛ رواه أحمد بإسناد صحيح
قد يرغب أولادنا بحفظ القرآن الكريم أو الصلاة ابتداء، من أجل المكافأة أو من أجل رضا والدَيه، ثم يكون حفظه وصلاته خالصة لله تعالى.
قد يسأل سائل: لو أن هذا الشاب رضِي بالزنا لأمه وأخته وخالته، فهل سيأذن الله الرسول صلى الله عليه وسلّم بالزنا؟
ولو أن أولادنا قالوا لا نريد مكافأة ولا نريد أن نصلي، فهل سنسمح لهم ألّا يصلّوا؟
بالتأكيد لا، حينها سنخبرهم أن هذه الوسائل فقط لتعينهم على الطاعة، سواء وُجِدت أم لا، فلا بد لهم من فعل الفرائض واجتناب المحرمات.
يخطر ببالي في هذا المقام، المؤلفة قلوبهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم، وهم فئة من المسلمين دخلوا الإسلام طمعًا في المال الممنوح لهم، ثم حسُن إسلام كثير منهم.
نحن مختلفون عن بعضنا بعضًا، البعض منا يحتاج أن يدخل من هذا الباب الدنيوي أولًا، ثم يترقى على السلم، لكن بإصرارنا أن يترقى فورًا قبل أن يدخل الباب، نفوّت عليه فرصة عظيمة، فالأثر الدنيوي للعبادة ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو وسيلة معينة على العبادة وإخلاصها لله، مع الإشارة إلى استخدامها بمقدار قليل كي لا تتحول إلى غاية، ومع التركيز على أهمية أن تكون أعمالنا عبادة لله، فإن عدنا للحديث، ننتبه كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلّم للشاب، وذكّره بطاعة الله وأهمية العفة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة