ضحى رياض الظريف، من لبنان ـ صيدا، معلمة للغة العربية، حائزة على إجازة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية.
النور بين جَنبَيْك
من منّا لا يبحث عن النور في حياته؟ من منّا لا يريد أن يحيا سعيدًا هانئًا مرتاح البال؟ لكلّ منّا أحلامٌ وآمالٌ، سواء في الأهل أو العمل أو المال. منّا مَن لا يسعى، ومنّا من يقع في الطريق ويستسلم، ومنّا من يتعثّر لكنّه يستأنف السعي، ومنّا من يصل.
ها هو رمضان، نورٌ على نور، كم وكم انتظرناه لنضيء ظلمات النفوس، لنحيا في رحابه بين صيامٍ وقيامٍ ولذَّة دعاء علّنا ننال المغفرة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه'.
وفي رواية أخرى:' ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه'.
ها هو رمضان ينقضي..
ــ فهنيئًا لمن تصدّق فيه تأسّيًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: 'فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين'.
ــ وهنيئًا لمن حفظ فيه لسانه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'الصيام جُنة فلا يَرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين'.(رواه البخاري ومسلم)
ــ وهنيئًا لمن بلغ العشر الأواخر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: 'كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله'. (رواه البخاري ومسلم).
وعنها رضي الله عنها قالت: 'كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره'. (رواه مسلم).
وقالت: 'كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان'. (رواه البخاري).
ــ وهنيئًا لمن بلغ ليلة القدر فأقامها حقّ قيامها: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: 'التمسوها في العشر الأواخر من رمضان' (رواه البخاري، ورواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: 'قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟' قال: 'قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني'.
وقد أنزل الله تعالى فيها سورة كاملة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزُّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ سورة القدر.
فأيّ شأنٍ لهذه الليلة، وأيّ مقام وأيّ شرف أكثر من أن تكون خيرًا وأفضل من ألف شهر؟. ولعظم فضلها يحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيُحرم المسلم من خيرها وثوابها، فيقول لأصحابه، وقد أظلّهم شهر رمضان: ' إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم' (رواه ابن ماجه من حديث أنس، بإسناد حسن). وكيف لا يكون محرومًا من ضيّع ليلة هي خير من ألف شهر؟
وهل من مسلم لا يتلهّف لبلوغ ليلة القدر؟ فهي ليلة ذات قدر بنزول القرآن والملائكة فيها، كما تتنزّل فيها رحمات الله، ففيها أنزل فيها كتاب ذو قدر على نبي ذي قدر على أمة ذات قدر، كما قال تعالى: ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك﴾ [الزخرف، 44]، وكذلك فالطاعات فيها ذات منزلة عظيمة، والطائع يسمو ويشرف قدره عند الله، وينتقل من الوضاعة الى الرّفعة، ومن الذلّة الى الكرامة، وتلك هي الكرامة الكبرى. وفيها الأرض تضيق بجحافل الملائكة النازلة للسلام على المؤمنين.
إنها ليلة ليست كباقي الليالي.. تُكتب فيها أقدارٌ وتُقضى فيها أمورٌ وتتبدّل فيها أحوال.. ليلة هي، وما أدراك ما هي؟! بركة ونور وهدى، سكينة وراحة وطمأنينة، فتحٌ وأمنٌ وسلام..
كلّ هذا ما هو إلا نفحاتٌ من هذه الليلة المباركة، أرشدتنا إليها أحرفٌ من نور، أحرف تلك السورة المباركة، سورة القدر.. ولعلّ في ثناياها رسالةٌ مفادها: إنّ تلك السويعات هي أثمن الأوقات، وإنّ تلك الليلة من أجَلّ الليالي.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن