* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
بعد مرور أكثر من مئةِ يومٍ على مَلحمةِ طُوفان الأقصى المجيدة، ملحمةِ العصر وبوابة النصر التي تَعجزُ الكلمات عن وصف أيامها، والثناء على أبطالها، أُسودِ البَرِّ والبحر والجوِّ (أولي بأس شديد) نتوجّهُ إليكم بألفِ تحيٍة وسلام.. أيها الصابرون في معتركِ الحياة، الثابتون على دربِ الإيمان وفي ميادينِ الجهادِ رغم الابتلاءات والمِحن، أيّها القابضون على دِينِكم كالقابض على الجَمْر، الذين لم تزدْهم ضَراوة العدوان ومَرارة الخذلان إلا إيمانًا وثباتًا؛ قال اللهُ عزَ وجلَّ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
أكثرُ من مئةِ يومٍ من العدوان الصهيوني الغاشم الذي لم يشهدْ له العالَم مثيلًا في وَحشيّته، ورغمَ الحصارِ والضّحايا بالآلاف، وهدم البيوتِ والمنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات والمربعات السكنيّة، وإبادة عائلات بكاملها بأطفالها ونسائها وشبابها وشيوخها في مئات المجازر الدمويّة (الهولوكوست الفلسطيني) ما زال قطاعُ غزةَ صامدًا لم تنكسرْ إرادة أهله الصابرين، ولم يتزعزع إيمانهم بالله، ثم بعدالة قضيتهم. هذه هي غزَّةُ العِزَّة تلملم أشلاءها وتَعَضُّ على جراحها، ترفع المصحفَ بيَدٍ والبندقية باليد الأخرى، وتهتف بوجه الأعداء المجرمين والخَونة المنافقين: الله أكبر؛ حسبنا الله ونعم الوكيل.
هكذا علّمهم القرآن، وهكذا ربّاهم الإسلام، قال تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأنّ الفَرَجَ مع الكَّرْبِ، وأنّ مع العُسر يُسرا)) رواه أحمد في مسنده.
هؤلاء هم أحفادُ الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، الذي وُلد في غزة، وتنسَّم هواءها الحُرَّ، وارتوى بمائها الطاهر قبل أن ينتقل منها طفلًا إلى الحجاز، والذي اشتاق إليها حينما نأى عنها، فأنشد قائلًا:
وَإِنِّي لَمُشْــــــــــــــــتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ * * * وَإِنْ خَانَنِي بَعْدَ التَّـــــــفرُّقِ كِتْـــــــمَانِي
سَقَى اللّهُ أَرْضًا لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبَها * * * كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي
وقد سُئلَ رحمَه الله: هل نُبتلَى أو نمكَّن؟ قال لن نمكَّن حتى نُبتلَى. واستدل بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
أمّا شهيدُ القرآن السيد قطب رحمه الله فيقول: "لا بدَّ للمجتمعِ الإسلاميِّ من ميلاد، ولا بدَّ للميلاد من مَخاض؛ ولابد للمَخاض من آلام". وغزة اليوم في ألَمِ المخاض الذي ستليه ولادةُ النصر والتحرير والتمكين بإذن الله تعالى.
إنكم يا أبطال غزة والضّفة أحفاد الصحابة وإخوان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذين اشتاقوا إليه واشتاق إليهم. قال الحبيب ذات يوم لأصحابه وهو مشتاقٌ لإخوانه: ((ودِدتُ أنّا قد رأينا إخواننا)) قالوا أوَلَسْنا إخوانَكَ يا رسول الله؟ قالَ: ((أنتُمْ أصحابي، وإخوانُنا الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ)) صحيح مسلم.
ويصف شوقَكم إليه يا أُسود الإسلام فيقول عليه الصلاة والسلام: "مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ" صحيح مسلم.
وعندما سألوه إن كان لهم أجرٌ مثلُ أجرهم.. قالَ: "إِنَّ مِن ورائِكُم أيَّامًا، الصبرُ فيهِنَّ مِثْلُ القَبْضِ على الجمْرِ، للعاملِ فيهِنَّ مِثْلُ أَجرِ خمسينَ رجلًا يعملُونَ مثْلَ عملِكُم" سنن التّرمذي.
ألا بالصبر تبلغ ما تريد وبالتقوى يلين لك الحديد.
هؤلاء هم إخوانُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأحبابه شعبًا ومقاومة، الذين يصبرون في البأساءِ والضراءِ وحينَ البأس: ﴿... وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ﴾. فيأتي إليهم عليه الصلاة والسلام في المنام ليبشرَهم بالمبشِّرات، وهو القائل: ((لم يبقَ من النبوّة إلا المبشّرات))، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما المُبشِّراتُ؟ قال: "الرُّؤيا الصالحةُ" صحيح البخاري.
ومن المبشّرات التي خرجت مع أصداء المعارك في غزّة:
- يُرى عليهِ الصّلاة والسّلام يَصنعُ الطّعامَ للمجاهدين في غزة وهو مشِّمرٌ عن ساعدَيْه ويبتسم وينظر إلى الجدار المهشَّم.
- ويُرى عليهِ الصّلاة والسّلام وهوَ يصيحُ بأعلى صوتٍ: سيُهزمُ الجمعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، وهوَ يشيرُ إلى غزة..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة