أنوار النصر... من إشراقات الليالي العشر
لقد أنزل الله سبحانه سورة كريمة في كتابه المنزّل، هي سورة الفجر، وفيها ذكر الليالي العشر التي قال أكثر أهل العلم فيها إنّما هي هذه الأيّام التي تمرّ علينا، من شهر ذي الحجّة والتي تسبق عيد الأضحى المبارك، حيث تجتمع كثير من المسمّيات الواجب الوقوف عليها، والتي تحمل من الإشارات والإيحاءات ما لا يمكن تجاهلها في الربط بينها وبين ما يمكن عدُّه بوادر بزوغ فجر النصر القادم للأمّة. وأوّل مسمّى هو أنّ ذكر الليالي العشر جاء بعد القسم الرباني بالفجر. وهو اسم الصلاة التي لا تفوت من يعرفون قدرها ومقدارها في معراجهم اليوميّ إلى الله في صلاتهم. والفجر هو أيضًا تسمية مصدرها من انفجار ظلام الليل الدامس ليحلّ محلَّه بزوغ نور النهار الساطع ضوؤه. ومن هنا نقول إنّ الله تعالى قد ميّز هذه الأمّة بالكثير من المزايا. ومنها أنّه جعل لها فجرًا يتجدّد ولا ينقطع سَنا برقه اللامع. أليست ولادة خير خلق الله عليه الصلاة والسلام إيذانًا بفجر جديد، لم ينبلج نوره للعرب في أرض الجزيرة العربيه وحدها، بل للعالمين إنْسُهم وجنُّهم، وعربهم وعجمهم، وحتى لوحشهم وطيرهم. وإنّه وإن كانت الأمّة اليوم تعيش في غروب وغياب ممّا كانت عليه من ماضيها التليد الذي أنجب الرشيد والقسّام وصلاح الدين وقبلهم خالد ابن الوليد، فإنّ وجود الفجر في كتاب ربّها يعني لها الكثير، أنّه لابد من الانتظار بعد الظلام الحالك حتى بزوغ الفجر الصادق.
وبعد القسم بالفجر، جاء ذكر الليالي العشر، التي هي خير الأيّام عند الله بشهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ". إذًا هناك رابط بين الفجر والليالي العشر، وبينهما ما يساوي فضله هذه الليالي المباركة ألا وهو أفضل الجهاد وأجلّها ببذل النفس والمال لكسب الرضا والقبول عند العزيز المتعال. ولكن ماذا لو قدَّر الله وقد قدَّر أن يجتمع الفضلين معًا في أرض غزّة الأبيَّة. فأتت الليالي العشر ومعها الجهاد في أسمى معناه وأغلا مرماه في ساحات الشرف. حيث أنّ الله سبحانه قد جعل الفجر مع لياليه العشر يتحقّق ويتجلّى في فلسطين عمومًا وفي غزَّة خصوصًا. حيث الخير كلّه بالصيام والقيام وتلاوة القرآن. وحيث الخنادق والبنادق والرصاص الخارق وطيران المسجد الهادر يخرق أمن الكيان الصهيوني الغاصب ويجعل له ما لايتمنّاه من الموت المحقّق به لاحق.
وليس عرضًا ما ذكره الله تعالى في صدر السورة الكريمة "الفجر"، ممّا أصاب الأمم السابقة من هلاك محتوم وعقاب ربّاني مقسوم. لأنّهم والبداية مع عاد إرم ذات العماد، حيث وصف الله ماكانوا عليه من نعيم ورخاء، وصنعوا لنفسهم ما لم يخلق مثله في البلاد. وكلّ ذلك لا ينفع إذا ما كان أساس ذاك كلّه الفساد. وامتدّ القول لثمود الذين لفرط شدَّتهم وبأسهم جعلوا الصخور طوع أيديهم في أوديتهم. لينتهي الأمر عند الفرعون الذي كان يصلب الناس بالأوتاد ويذيقهم مرارة ألوان السوء والعذاب. فكان أن جمعهم الله وأن أتَوْا من تاريخ متعدِّد في بوتقة واحدة من صبّ العذاب (إنّ ربَّك لبالمرصاد). إنّ الرابط بين مصير هؤلاء ومن هم اليوم في أرض الإسراء والمعراج، يجمعون إثم عاد وثمود وطغيان الفرعون ومثله النمرود في ذات الأخذ (وبئس الوِرْد المورود). ولا بدَّ من الربط أيضًا هنا بين من ينتظرهم فجر العذاب بليال مهلكات وبين من ينتظرهم فجر مشرق بنصر من الله آتٍ.
إنّ قدرة الله القاهرة التي حلّت بالطغاة في العصور الغابرة، لهي بمن هم اليوم يطغون ويبغون في فلسطين، ليست عنهم قاصرة. وإذا كانت الأيّام العشر ترمز لما يسبق التضحية والفداء من الذبح والبلاء، حيث أمر الله خليله إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، أنّ لكلّ شيء فداءه، (وفديناه بذبح عظيم) ذلك قول العزيز العليم. وأمّا غزَّة العصماء فهي فداء الأمّة كلّها. ويوم النصر هو يوم العيد الأكبر والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!