من المدينة
من المدينة، من طيبة الطيِّبة، من الأرض المباركة التي يأرِزُ إليها المؤمنون كلّما احتاجوا إلى الأمن والسلام منذ هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى آخر الزمان..
من مسجد قباء، المسجد الذي أسَّسه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند وصوله المدينة مهاجرًا إليها قبل ألف وأربعمئة وخمسة وأربعين عامًا قادمًا من مكّة، يصحبه صاحبه الصدّيق وسبقهما وتبعهما صحابة وصحابيّات، فخطّ خطوط قباء ووضع الحجارة الأولى بيده الشريفة وأتمَّه بعد ذلك الصحابة الكرام...
من المسجد الذي قال عنه رسولنا: 'من تطهّر في بيته وأتى مسجد قباء فصلّى فيه صلاة فله أجر عمرة'. من المسجد النبويّ معلم الإسلام الأهم بعد المسجد الحرام وقد بناه رسولنا بعد وصوله المدينة، بُنِي للمسلمين مكان صلواتهم واجتماعاتهم وتعلُّمِهم أمور دينهم ووعظهم ومقرّ خططهم ومجلس مشاوراتهم واتّفاقاتهم ومكان إدارة دولة الإسلام القادمة.
ثمّ من هنا من المدينة المنوَّرة، آخى عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين الذين تركوا أموالهم وبيوتهم وكلّ ما يملكون في مكّة وبين الأنصار المسلمين أهل المدينة وسكّانها، فطابت القلوب واستأنس المهاجرون، وزالت عنهم وحشة غربتهم، وذابت الفوارق، وأحسّ الأنصار بمسؤوليّتهم نحو إخوتهم، وتنافس الرجال والنساء في العطاء والإيثار والعمل. وحتّى يشعر الجميع بالعدل والأمن كتب نبيّنا وثيقةً اعتبرها المؤرِّخون فخرًا من مفاخر الإسلام وبنودًا يجب أن تُدرَّس في كتب القانون والسياسة، أمن فيها ساكني المدينة من مسلمين ويهود على دينهم وحريّة عبادتهم
وضمن حقوق الجميع ونظّم العلاقات بين الأفراد وبين القبائل داخل المدينة من الناحية الأخلاقيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، فعرف كلّ من سكن المدينة ما له وما عليه من حقوق وواجبات. بنى عليه الصلاة والسلام سوقًا في المدينة للمسلمين ليخلِّصهم من سيطرة اليهود ولا يؤخذ منهم خراج فتكون للمسلمين سوقهم المبنيّة على أسس البيع والشراء الإسلامية. ثمّ.. وبعد الاستقرار والتمكين والقوّة، صار لا بُدّ من انتشار الإسلام والقضاء على الظلم فأُذن بالجهاد.
وانتصر المسلمون في معاركهم في بدر وبني قينقاع والسويق وأحد والأحزاب وبني قريظة وبني المصطلق وخيبر، وفتحوا مكّة ودخل النّاس بهذا الفتح في دين الله أفواجًا وانتصروا كذلك في غزوة مؤتة وحنين وتبوك.. واستمرّ المسلمون بعد وفاة رسول الله في تسجيل النّصر في معاركهم ضدّ الروم والفرس، حتّى أصبح المسلمون قوّة يحسب لها ألف حساب قوّة في العلم والاقتصاد والحضارة والعدّة والعتاد والحروب. بعد هجرة رسول الله إلى المدينة تحوّل المسلمون من قلَّة إلى كثرة ومن ضعف إلى قوّة، ومن ضيق إلى سعة، ومن حصار وسجن وتعذيب إلى حريّة وانتصارات وعزّة.
من المدينة، من مُهاجَر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، إلى غزّة العزّة... إلى غزّة التي هاجرت إليها قلوب المؤمنين والمنصفين في كلّ العالم. إلى غزّة المحاصرة المظلومة المدمَّرة الجائعة والتي فقدت أربعين ألف شهيد منذ أقلّ من عام، منذ 7 أكتوبر، إلى غزّة الثابتة المرابطة الصابرة المقاومة المجاهدة. ستكسرون حصاركم وستصبحون كثرة وقوّة وأحرارًا، وسنروي روايتكم: كانوا هنا وما يزالون أهل غزّة الأبطال، هاجرت إليهم القلوب والعقول، فعاد كثير من المسلمين إلى الله ودخل أفواج من غير المسلمين في دين الله، فرأينا في ذلك فتحًا ذكَّرنا بفتح مكّة.. ورأينا انتصارات سيكون بعدها النصر الكبير الذي سيطرد اليهود من كلّ فلسطين كما طردهم رسولنا صلّى الله عليه وسلّم من المدينة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا