راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
رحيل الإسماعيلين
كان يومًا حزينًا يكسوه السواد في أعزّ صباحاته، لم تغرّد فيه الطيور وانتكست القلوب وكان البكاء الصامت أكثر الأصوات علوًّا.
كانت الأخبار تتوالى في صدماتٍ متتابعة، بزغت الشمس في ذلك اليوم حزنًا وتجهّزت الأرض فرحًا، ها هما شهيدان آخران في طريقهما نحو الجنّة .
مَن تربَّيْنا على صورته وصوته وخطاباته ومقولته الشهيرة التي هزّ فيها العالم، كان قد غادر العالم ذاته وترك خلفه وصيّته التي لا زلنا نردِّدها كلّما سنحت لنا الذاكرة (لو خضعت كلّ الدنيا لن نعترف بإسرائيل).
ومَن كان ينقل الخبر ذاته، جائعًا، حزينًا ومشتاقًا لعائلته، أصبح بدقائق معدودة هو الخبر، نعى الصحفي إسماعيل القائد إسماعيل، لينعى العالم بعده الصحفي إسماعيل وكلّ مَن مِثْل إسماعيل هناك في تلك البقعة المخذولة .
نُعِيا معًا في ذات الكتابات والمنشورات والقنوات، وباليوم والتاريخ ذاته، وحتى إنّهما تشاركا بنفس الدمعات والحزن والغصّة، لكنّهما دُفِنا في مكانين مختلفين وهما أبناء الأرض ذاتها، أبناء غزّة العزّة .
لا زالت ذكريات الطفولة الممزوجة بالقضيّة منذ الصغر، والراسمة لملامح القائد الشهيد السمحة والمردِّدة لصوته الشجيّ، في وضوح تامّ، لم تُمْحَ يومًا ولن تُنسى، لِتُمتزَج بذكريات الشباب بصوت مراسل بحث عن الراحة يومًا، كان قد سطَّر معاني المعاناة والحرب، كانت أقصى أمانيه أن يلتقي بطفلته الوحيدة، لكنّه رحل تاركًا خلفه عالمًا كبيرًا كان قد خذله .
اغتالوا صاحب الحقّ ظنًّا منهم أنّهم قد أطفأوا الحقيقة والمقاومة، لكنّ الأمر لم ينتهِ ولن ينتهي، لكان حقًّا انتهى حين رحل الياسين والرنتيسي وغيرهم، والله سيلتهم الطوفان تجبُّرَهم، وسيكسر قيود أسرانا، سيعودون يحتضون تراب الأرض مرفوعي الرأس، رافعين إشارة النصر.
اغتالوا صوت الحقّ، ظنًّا منهم أنّهم قد أخفضوا صوت الحقيقة والمعاناة، لكنّ الأمر لم ينتهِ ولن ينتهي، لكان حقًّا انتهى حين رحلت أبو عاقلة وأبو دقة وغيرهم، والله سيصدح صوت الجميع بالحقيقة، ستصوِّر هواتفهم وكاميراتهم جرائمهم، سيواصل أنس الشريف رحلة صديقه، حمل الأمانة بعد حمله لنعش صديقه وما أثقله من نعش، نعش اجتمع فيه جسد الصديق والكلمات التي كادت أن تخرج منه معاتبة، بكاه على التلفاز وأبكانا، نعتْه القنوات وربَّتْنا على قلوبنا وعزاؤنا الوحيد أنّهم عند الله أحياء يرزقون .
لن ننسى، لن نسكت، ولن نعترف بإسرائيل.
إلى اللقاء يا أبطال الأمّة، سيخلِّد التاريخ ذكراكم، سنعلِّم الأجيال القادمة قصّة كفاحكم، سنتحدّث عنكم في جلساتنا، وإن انقطعت أخباركم في الدنيا، فذكراكم لا زالت حاضرة هنا ما بيننا .
باقون على العهد ما حيينا، لن نعترف بإسرائيل ..
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة