الأعمال بخواتيمها
حياة الإنسان في هذه الدنيا محدودة، وأنفاسه معدودة محسوبة، آماله تُطوى، وعمره يفنى، وبدنه تحت الثرى يبلى، يقول ابن مسعود (رضي الله عنه): «ما منكم من أحد إلا وهو ضيف، وماله عارية، فالضيف مرتحل، والعارية مردودة». فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والسعيد من ختم له بخير، والشقي من ختم له بسوء وشقاء. فمن عاش على شيء مات عليه، والأعمال بخواتيمها.
فمن وفقه الله في حياته بالاستقامة على طاعته والإقبال على الأعمال الصالحة، والإعراض عما يغضب الله سبحانه، واستمر في ذلك إلى آخر حياته، ثبته الله عند مماته ورزقه حسن الخاتمة، وبشرته ملائكة الرحمة برضا الله واستحقاق كرامته وجنته، كما قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}. وقد صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد, خيراً استعمله قبل موته»، فسأله رجل من القوم: ما استعمله؟ قال: «يهديه الله عزّ وجلّ إلى العمل الصالح قبل موته ثم يقبضه على ذلك» رواه الإمام أحمد في مسنده.
أما من أعرض عن ربه، وأغفل قلبه عن ذكره، وعطل جوارحه عن عبادته وطاعته، وعكف على معصيته حتى لقي الله على تلك الحالة السيئة فسيكون أمره فُرُطاً، ويظفر به الشيطان عند موته وتكون سوء خاتمته، فتبشره ملائكة العذاب بسخط الله وعقابه. فقد جاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن إذا بُشّر برحمة الله ورضوانه وجنّته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه».
يقول ابن كثير: «إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان فيقع في سوء الخاتمة، فيكون ممن قال الله فيه: {وكان الشيطان للإنسان خذولاً}.
من أجل ذلك مَزَّق الخوف من سوء الخاتمة قلوبَ السلف الصالح والمؤمنين والصادقين، وخافوا أن تخذلهم ذنوبهم عند الموت فَتحُول بينهم وبين حسن الخاتمة، علموا أن العبرة بالخواتيم وأن الخواتيم ميراث السوابق وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، فأظمؤوا نهارهم وأسهروا ليلهم وأطالوا سجودهم وبكاءهم. ورحم الله الحسن البصري حيث يقول: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وَجِلٌ خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن»... فكيف يأمن المؤمن من عذاب الله وهو يعلم أن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء ثَبّته، وإن شاء قَلَبَه؟ وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يُخْتَم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق يقولون: ماذا سبق لنا؟
وفي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» رواه مسلم.
وبكى بعض الصحابة عند موته فسئل عن ذلك فقال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله قبض خلقه قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة،
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن