اعتكاف ولكن من نوع آخر..!!
كتب بواسطة بقلم: لبنى شرف
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1317 مشاهدة
الاعتكاف بمعنى الخلوة إلى الله في المساجد، هي فترة تجرُّد لله، تنسلخ فيه النفس من كل شيء، ويخلص فيه القلب من كل شاغل، وهو سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العشر الأواخر من رمضان..
فعن أمّنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مِئزَرَه، وأحيا ليلَه، وأيقظ أهله". [ حديث صحيح]. ومن أقوال العلماء في معنى شدِّ المئزَر، أنه كناية عن الجِدّ والتشمير في العمل.
إن ظل هذه الليلات العشر يُشعرنا وكأنها ذوات أرواح، تُعاطفنا ونُعاطفها، ففي جوِّها تلتقي وتتجاوب الأرواح العابدة الخاشعة مع أرواح هذه الليالي المختارة، فترفرف إلى عليين، فيا لأُنس هذا المشهد.. ويا لنداوة هذا الجو.. ويا للنجوى المؤنسة للروح.
هذا المعنى الرائق للاعتكاف، وهذا الجو النديّ في هذه الليالي العشر، وهذا الجِدّ والتشمير في العبادة، أصبح عند كثير من نساء اليوم جِدّ وتشمير ولكن في المطبخ في التحضير لحلويات العيد، وفي الأسواق لشراء ملابس العيد!!.. ولو كنَّ حريصات على اغتنام هذه النفحات الربانية، لما أضعنها في مثل هذه الأمور، فهناك متَّسَع من الوقت لها في غير هذه الأيام المباركة، فرمضان لا يأتي إلا مرة في كل عام، والعشر الأواخر تجرُّدٌ لله عما سواه، ولكن يبدو أن الماديات طغت في زماننا هذا وما عاد للروحانيات مكان!! فصلاتُنا لا تعدو عن كونها رُكَيْعات جَوْفاء، وصيامُنا امتناع فقط عن الطعام والشراب، ولكن أين راحة القلب، وسمو الروح؟!.
أنا أشعر بأن في الاعتكاف أسراراً وعجائباً، لا يدركها إلا من تدبّرها وتفكّر فيها، ولا يستشعر حلاوتها إلا من ذاقها، ولمس أثرها في نفسه، فللاعتكاف تأثير واضح في القلب وفي الفكر، وفي صفاء الذهن، وفي إدراك الأمور وفَهْم الحياة، وفي تصحيح السلوك، وهذا يحتاج إلى جلسة متأنية وفاحصة مع النفس، واعتزال الخلق، وفراغ القلب والفكر من كلِّ المُلْهِيات والشواغل الدنيوية، حتى يتسنى للروح أن ترتقي وتحلّق في آفاق الكمال والنور، فتتصل بخالقها.. ولكن ربما يعجز القلم واللسان عن وصف مثل هذه الإحساسات، فمن المعاني زهور ربيع، يُشَمُّ ولا يُفرك.
فيا أخواتي المسلمات المعتكفات في المطابخ وفي الأسواق، مضمار السِّباق قد انعقد، والجنة فُتحت لمن جدَّ، والجائزة أُعدت لمن جد، فشمِّرن عن ساعد الجِدّ، وقلنَ.. لن يسبقنا إلى الله أحد.
اللهم أكرمنا بليلة القدر، وأسعدنا بالأجر، وشرِّف أمتنا بالنصر... آمين، والحمد لله رب العالمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن