كيف تبني علاقات قوية؟
كتب بواسطة بقلم: الأستاذة وفاء مصطفى
التاريخ:
فى : المقالات العامة
587 مشاهدة
كما يحتاج الإنسان لإشباع حاجاته الأساسية الفيزولوجية من مَأْكل ومَشْرب ومَلْبس ومأوى؛ فهو أيضاً بحاجة لإشباع حاجاته النفسية والاجتماعية مثل الإحساس بالانتماء، والاستئناس بالآخرين والقُرب منهم والتودد إليهم، والحديث معهم، مما يعمٍّق الشعور بالاستقرار بجوارهم، ويزيد من مشاعر الاطمئنان، ويُشبع الحاجة إلى الأمن والأمان، ويُشعل الرغبة القوية في تحقيق الذات.
ابدأ بتقوية الطاقة الإيمانية
النجاح لن يتحقق إلا بتضافر جميع الطاقات الإنسانية وأولها الطاقة الإيمانية التي تشعل الضوء للطاقات الأخرى حتى تعمل بكفاية وفاعلية، بدءً من حشد جهود البذل والعطاء، ثم التكيُّف مع أوضاع البيئة والمجتمع، وظروف الحياة، فيفجِّر جميع طاقاته، ويوقظ مواهبه النائمة، ويكتشف كنوز نفسه المدفونة، ويقوم بتعبئة جميع قُدُراته وإمكاناته حتى يضع بَصْمَتَه على هامات جبال الحياة.
اجعل الاحترام قاعدة التعامل مع الآخرين
إن أيَّ علاقة بين شخصين أو أكثر تقوم على الاحترام المتبادل تزداد قوة وعمقاً وحباً وتماسكاً مع مرور الأيام، فلن يصل الفرد إلى القمة بمفرده، ولن يصل إلى تحقيق طموحاته ومآربه إلا بمقوِّمات: منها ما هو فطريّ متّعنا الله به، ومنها ما هو مكتسب كالتعلُّم من دروس الماضي، والاستفادة من الحاضر بخبراتنا السابقة، وعدم تكرار أخطائنا، وأن نحترم أنفسنا أولاً، ونتقبّل النقد البنّاء، دون أن تهتز ثقتنا بأنفسنا، وأن نتعلم الحوار المبنيّ على التفاهم; فليس بالضرورة أن يكون شخص على خطأ وآخر على صواب، وإنما يمكن أن يكون كلانا على صواب وكل منا ينظر إلى الصورة من زاوية مختلفة، وربما يُخطئ أحدنا; فالنقص من طبائع البشر، والكمال لله وحده; فلا نجادل، ولا ننفعل حتى نكسب الجولة ونخسر الآخرين، ولنترك دائماً مساحة لهم حفاظاً على علاقة الود لمراجعة مواقفهم، والحفاظ على ماء وجوههم. ولقد علَّمَنا الصحابي الجليل سيدنا معاوية بن أبي سفيان مبدأ المرونة في التعامل مع الناس في قوله: «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتُها، وإذا أرخَوْها مدَدْتُها».
الذكاء الاجتماعي
قال صلى الله عليه وسلم: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، ولن يتأتى ذلك للمرء إلا بالمرونة الصادقة، والتعاون المخلص مع جميع من حوله. فالتعامل مع الآخرين يتطلب ذكاء اجتماعياً يُنتج الانسجام المطلوب بين فَهم المرء لنفسه من جهة ومن ثم لأفراد مجتمعه من جهة أخرى، فيعرف ماذا يريد منهم وماذا يريدون منه، فيؤدي لكل ذي حقٍّ حقّه، وقد حثّنا رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى التعامل بالرفق واللين وضبط النفس عند الغضب والتحكّم في الانفعالات فقال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه»، وقال أيضاً: «ليس الشديد بالصُّرَعة وإنّما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب».
التوافق مع النفس والمجتمع
إنّ حُسن إدارة أنفسنا يتطلب تنظيم مواردنا الربانية، من حشد جميع المواهب، واكتشاف جميع القدرات والإمكانات... ولن يتحقق لنا ذلك إلا بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل من ناحية، وبمساعدة الآخرين لنا من ناحية أخرى.
وعلاقاتنا بالآخرين تلعب دوراً كبيراً في صحتنا النفسية؛ فهي التي تُغذي احترامنا وقَبولنا لذواتنا، وإنّ ما يؤكد نجاحنا في الحياة هو التكيف والتوافق والتفاعل مع بيئتنا وعناصر المجتمع بمختلف فئاته، وقد جبلنا الله جلّ شأنه على مبدأ الأخذ والعطاء حتى يتم التوازن النفسي والاجتماعي. ولنتعامل مع الآخرين بتلقائية وبساطة دون تكلف; فالناس لا يتقبلون الشخص المتصنِّع، وإنما صادق المشاعر، الودود، غير المداهِن.
أَسعد نفسك بإسعاد الآخرين
إنّ النفس السوية لا تَسعَد إلا عندما تُسعد الآخرين، وتُدخل السرور على نفوسهم، ولا ترضى إلا بخدمة الآخرين: محبةً في الله وابتغاء رضوانه جلّ شأنه في عُلاه، ولا يُغمض لها جفن إلا أن تزرع المحبة في قلوب الناس وتُصلح ذات بينهم: «لن تسَعوا الناسَ بأموالكم، ولكن يَسَعُهم بَسْط الوجه وحُسْن الخُلُق». قال الشاعر:
أحسنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس» رواه أحمد. لذا، إذا أردت أن تُسعد نفسَك في وقت فراغك قم بعمل تطوعي لوجه الله واجعل مبدأك: أن لا تنتظر جزاءً ولا شُكوراً من أحد، ولا تقنع إلا برضا رب العالمين، ولا تتعامل مع الآخرين بكبر وغرور، بل احرص على التواضع لهم؛ فمَن تواضع لله رفعه. وعندما ينفع الناس بعضَهم بعضاً لينتشر الخير، ويعم البر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
السحر الحلال
العَبوس الذي لا يستطيع أن يبتسم لن يستطيع أن يفتح قلباً واحداً، فالابتسام يفتح مغاليق القلوب. وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى التبسم في وجوه المسلمين وجعله صدقة؛ فالابتسامة لوحة معبرة من لوحات الجمال، تتجاوز الحدود الذاتية، فتصل إلى قلبك وأحاسيسك ومشاعرك أولاً ثم إلى قلوب من تريد، فتلتقي بالحب فيها وتفتحها، ، ويتحلّى صاحبها بالإشراق والوضاءة، والنجاح والسعادة. فهنيئاً لصاحب الابتسامة الصادقة، فما أحوج الناس الآن إلى الكلمة الطيبة، واليد الحانية، واللمسة الكريمة، وحُسْن الخُلُق.
قال مدير مصنع فولاذ أمريكي: «ابتسامتي أكسبتني مليون دولار في السنة». وذلك لأنه كان يحثّ العاملين في المصنع بأسلوب إيجابي بديع قائم على بث الحماسة في نفوسهم، فكانت النتيجة أنْ أقبل الجميع على العمل بحماس فزادت الإنتاجية، وتحسّنت النوعية والجودة الصناعية، ونشطت حركة البيع، وانتفخت جيوب أصحاب المصنع بالربح الوفير. والمثل الصيني يقول: من لا يستطيع أن يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجراً.
فهل نستطيع أن نملأ موازين حسناتنا ببناء علاقات جيدة مع من حولنا ونحوِّل ابتساماتنا التي لا تكلفنا درهماً إلى حسنات نزيد بها صحائفنا فتكون لنا ذخراً يوم القيامة؟ هل نستطيع أن نحتفظ بالابتسامة على وجوهنا ونقول كلمة طيبة لكل من نلتقي بهم في يومنا هذا، ونبدأ بإلقاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف إحياءً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلموابتغاء رضوان الله؟ هل تريد أن تجرب السعادة الحقّة لتسعد نفسك وتُسعد الآخرين من حولك؟ جرِّب الآن ولن تخسر شيئاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة