وأفوّض أمري إلى الله
من الوصفات العلاجية القرآنية تفويض الأمر إلى الله، لينال المفوِّض والمؤمن الأمان والحفظ، ويقيه الله شر الأعداء ومكرهم .
قال الإمام جعفر الصادق رحمه الله: وعجبت لمن مُكر به كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، فإني سمعتُ الله يقول بعدها: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا).
إن هذه الآيات التي أشار لها الصادق في سياق قصة مؤمن آل فرعون، في سورة غافر .
وخلاصة الموقف الإيماني العظيم لمؤمن آل فرعون، إن فرعون وملأه رفضوا دعوة موسى عليه السلام، وأراد فرعون قتل موسى بحجة الإفساد.. (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ).
وكان هذا الرجل المؤمن من آل فرعون المقدمِين عنده، وكان يكتم إيمانه، ولما عَلِم أن حياة نبيه وقائده موسى في خطر، أظهر إيمانه ودعوته، وقدم مصلحة الدعوة العامة على مصلحته هو الخاصة، ووقف أمام فرعون الطاغية الظالم موقفاً إيمانياً دعوياً عظيماً، وناقشه نقاشاً علمياً موضوعياً، ودافع عن موسى دفاعاً حكيماً ناجحاً، وقدم دعوته ودينه تقديماً رائعاً مقنعاً.
واضطر فرعون إلى إظهار تكبرّه وعناده، فدعا قومه إلى متابعته والالتزام برأيه، وقال كلمة هي ذروة الاستكبار والاستعلاء والغطرسة - وهي نفسها كلمة كل طاغية متفرعن - قال فرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ). فردّ عليه الرجل المؤمن دعوته بوضوح وتحديد وحزم، ودعا القوم إلى عدم اتباع فرعون، واتباعه هو، بعبارة حادة حاسمة: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ).
واعتبر دعوة فرعون هي دعوة إلى النار، ودعوته دعوة إلى الجنة فخاطب قومه مستغرباً مُنكِراً: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ، تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ).
وبعد ما قام الداعية المؤمن الناجح بواجبه، وقدم للناس دعوته ودافع عن نبيه، ترك لهم الخيار في اختيار أي الدعوتين.. دعوته أو دعوة فرعون، فقال لهم: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ)! إن الرجل المؤمن يعلم أنه في خطر عظيم، لأنه وقف أمام فرعون وتحداه، والكل يعرف من هو فرعون في فرعنته وبطشه واستعلائه، ولا يقف أمامه ويتحداه إلا رجل كامل الرجولة عظيم الإيمان، معتمد على من هو أقوى من فرعون! معتمد على الله القوي القادر الكبير المتعال !!
ولا ينقذ هذا الرجل الداعية العظيم من الخطر المحدق به إلا الله، ولهذا فوّض أمره إلى الله، وأحسن توكله واعتماده إليه، وأعلنها صريحة: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
وإن الله ينصر من ينصر دينه ويحمي من لجأ إليه ويقي من فوض أمرَه إليه، ولذلك أنقذ هذا المؤمن الداعية، ووقاه من مكر آل فرعون.. (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ).
ولا نعرف كيف وقاه الله سيئات ما مكر آل فرعون، لأن مصادرنا الإسلامية اليقينية لا تخبرنا عن نهاية هذا المؤمن الداعية الحكيم .
وذكر الله قصته في سورة غافر - وأدعو القراء الكرام إلى إطالة النظر في الآيات (22-51) للوقوف على بعض دروسها وعبره - ودعانا إلى الاقتداء بهذا الرجل الداعية الحكيم، الاقتداء به في نشر الدعوة، وفي مواجهة الطغاة، وفي الانتصار للحق، وفي حسن الإقبال على الله، وحسن تفويض الأمر إلى الله، لننال الثمرة العظيمة، وهي أن يقينا كيد الكائدين، ومكر الماكرين والحمد لله رب العالمين .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن