دور السلطة الرابعة
في عصر العولمة اليوم تدخل على خطّ السلطات سلطة رابعة هي الوسائل الإعلاميّة، وباتت تشكّل أحد الأعمدة الأربعة التي يقوم عليها النظام في دولنا العربيّة: القوّة الأمنيّة، والثروة، والإعلام، والدعم الخارجي .
ولكنّ السلطة الرابعة هي أخطر هذه الأركان الأربعة، إذ إنّها المرآة التي تعكس الأحداث اليوميّة، وهي النافذة التي من خلالها يتعرّف العالم على أحداث بلد ما، ومن هنا تظهر أهميّة دورها فهي إمّا أن تُجَمّل الموت الأحمر، أو أن تختلق قضيّة من نسج الخيال الأمني لتشغل بها الرأي العام حتّى يقوم النظام بتمرير مشروع ما، أو صرف الرأي العام عن قضيّة هامّة، أو لتبرير سلوك أمني ممجوج .
وإمّا أن تكون عيناً للحقيقة ساهرة على نقل الحدث والصورة كما هي لتدعها تتكلّم، ويكفي الحقيقة أن تُقصَّ كما هي لتصنع رأياً عامّاً وتحرّك الجماهير .
والسلطة الرابعة من حيث الواقع لا تعرف الحياد وكثير منها ليس نزيهاً، لأنّها تعمل وفق رؤية، وتنطلق من خلفيّة، وهي تخضع لرقابة السلطة الأمنيّة، وجُلُّ رؤساء التحرير ومدراء القنوات والإذاعات على علاقة مع الأجهزة الأمنيّة، بل في دول الأنظمة المستبدّة الجائرة لا بدّ من اطلاع الأمن ورقابته على النصوص وإعطاء الموافقة لنشرها .
وفي ثورات الربيع العربي بدا دور لسلطة الرابعة جليّاً، فيقتل الأبرياء في الطرقات بصورة واضحة كعين الشمس فتطالعنا السلطة الرابعة بأنّهم أشخاص مندسّون، وتقتحم الدبّابات مناطق الآمنين مروّعة إيّاهم ومهدّدة لأمنهم فيأتينا النبأ العاجل: استجابة لنداء المواطنين واستغاثتهم توجّهت أرتال من الدبابات أو قوافل من رجال الأمن لحماية المواطنين من الإرهابييّن أو المخرّبين، والحصيلة قتلى، ومعتقلون، ومفقودون، لم يسقطوا قبل دخول السلطة الأمنيّة، بالإضافة إلى قطع الكهرباء والماء وتشديد الحصار ليصل الأمر إلى منع الطعام والدواء والعلاج .
ومن هنا يستحيل أن تكون هناك سلطة رابعة معارضة في بلدها لأنّها في ظلّ القيود الأمنيّة لا تسمح لها أن تتأصّل وتنمو، ثمّ تعطي بعد ذلك ثماراً، لتحرّك الرأي العام .
والثورات في العالم العربي تخوض اليوم إلى جانب المعركة العسكريّة والسياسيّة ـ التي تخوضها المعارضات المطالبة بالحريّة والكرامة ضد السلطات القمعيّة المستبدّة بالحكم ـ تخوض معركة السلطة الرابعة التي من خلالها استطاعت أن توصل صوتها، وتحقق وجوداً لنفسها، وتحرّك الشارع، وتصنع رأياً مؤيّداً، فالثورة بدأت إعلاناً عبر وسائل التواصل الحديثة وانتهت بثورة أسقطت أو تريد إسقاط الظالمين المستبدّين بالنظام والحكم .
فإذا أردنا أن نصنع ثورة، ونسقط نظاماً وننشر وعياً ونحيي الأمّة ونكسر قيد الخوف الذي يسوِّرها، فعلينا ببناء سلطة رابعة حرّة مهمّتها إظهار الحقيقة، ليعرفها الناس، لأنّ الحقيقة ينبغي أن تكون ملكاً للجميع، وهي وحدها كفيلة بصناعة قضيّة تحرّك الرأي العام من أجل إيجاد واقع جديد لعالمنا العربي يحكم بالعدل والأمان والمشاركة في نظام الحكم .
وأضف إلى ذلك إنّ معركة تحرير البلاد من الاستبداد والظلم هي مسبوقة بعمليّة تحرير العقول لبناء نفسيّات قابلة للتغيير، والثورات قبل أن تكون تغييراً اجتماعيّاً هي تغيير في نفسيّة الفرد، وحتّى تصل إليه تحتاج إلى خوض معركة السلطة الرابعة بطرح المفاهيم الصحيحة وإظهار الحقيقة، وتحطيم رموز وآلات وأبواق ووسائل إعلام النظام المستبد المضلِّل، وتعريته وكشف زيفه وكذبه أمام الرأي العام حتى يفقد شعبيّته، فيصير بذلك العقل يتلقى الخبر من المصدر الموثوق وهو الذي قام بتعرية الإعلام الكاذب، وهنا تكون الفرصة في العمل على تغيير النفسيّات التي يترتّب عليها السلوك، لصناعة ثورة واعية رشيدة حرّة تؤمن بالتغيير، وصناعة تاريخ جديد وعهد جديد ونظام جديد من غير تدخّل خارجي .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن