عيد الثورة والحرية
ليس للعيد في ديننا صلة بالأحداث السياسية، ولا حتى غير السياسية. صحيح أن الحدث العام (فضلا عن الخاص في البعد الشخصي) غالبًا ما يلقي بظلاله على العيد، لكن العيد يبقى عيدًا لأنه مرتبط بطاعة (الصيام بالنسبة لعيد الفطر)، والحج وتقديم الأضاحي بالنسبة لعيد الأضحى)، ذلك أن الصائم الذي أمضى شهرًا كاملاً في الصيام والقيام لا يمكن إلا أن يشعر بالفرح لأن الله أكرمه بذلك؛ على أمل أن يبدأ محطة جديدة من الخير والعطاء، وكذلك حال الحاج أو من دأب على تقديم الأضحية وتعظيم شعائر الله في العشر الأوائل من ذي الحجة .
وعموما فإن الوعي الجمعي للأمة، لازال يربط العيد إضافة إلى ذلك بالفرح والتوسعة على العيال، إلى جانب الارتباط بالأحداث العامة المتعلقة بكل بلد على حدة، وبالأمة بشكل عام .
في هذا العام يحل عيد الفطر بعد مسلسل أحداث بالغة الأهمية بالنسبة إلينا كأمّة، بدأت بانتصار ثورة تونس، وبعده الانتصار المصري الأروع، ثم كان لنا أن نشهد خلال شهر رمضان سقوط طاغية مجنون جعلنا نعيش فرحة مضاعفة، فيما كانت الأنظار مصوبة طوال الوقت على الانتفاضة السورية التي لا تزال تمنحنا الكثير من الثقة بالانتصار المقبل إن شاء الله، فضلا عن الثورة اليمنية بإصرارها الرائع على الانتصار .
من المؤكد أن ما جرى لم يكن عاديًا بأي حال، فالأمة خلال هذا العام اكتشفت ذاتها وأسرار قوتها، وتأكدت أن بوسعها أن تهز أركان أنظمة اعتقدت أن لا راد لقضائها، وأن بوسع أصحابها أن يورِّثوا السلطة لأبنائهم وذراريهم إلى يوم الدين .
من كان يتوقع أن يشاهد زين العابدين بن علي ذليلاً في جدّة، بينما أصهاره الذي سرقوا البلاد يتوزعون بين المطاردة والسجون. ومن كان يتوقع أن يرى حسني مبارك ووريثه رهن الاعتقال، ومعهم ثلة من عتاة المجرمين.؟ !
إنها مشاهد تجعل عيد الأمة هذا العام مختلفًا إلى حد كبير، وتجعل الفرحة فيه أكبر بكثير. صحيح أن المشهد اليمني لم يتوّج بانتصار إلى الآن. وصحيح أن الثورة السورية لا زالت تبذل التضحيات في مواجهة نظام دموي، وصحيح أن سفينة الإصلاح لم تتقدم في عدد من الدول العربية، لكن ما جرى يبقى عظيمًا بكل المقاييس. ولا قيمة لمن يفسدون الفرحة بحديث الثورات التي لم تكتمل لأن تغيّرات تاريخية من هذا النوع لن تستقر كما نريد من دون عناء وتضحيات.
لقد بات العالم ينظر إلينا بكثير من الاحترام، هو الذي كان يزدرينا حين كان يرى معتوهًا مثل القذافي يحكم بلدًا من بلداننا لاثنين وأربعين عامًا، أو ديناصورًا مثل حسني مبارك لا يكتفي بسنوات حكمه، بل يسعى لتوريث البلاد لنجله.
نشعر بالفخر ونشعر بفرحة العيد هذه المرة، لأننا نشعر أن نسائم الحرية بدأت تهب علينا وتملأ أنفاسنا. صحيح أن العراق لا يزال محتلاً، وفلسطين تعيش قهر الاحتلال، وكذلك حال أفغانستان، لكننا واثقون من أن مشروع الاحتلال فيهما قد فشل فشلاً ذريعًا، فيما نبدو أكثر يقينًا من أن ربيع العرب سيكون مقدمة لكنس الاحتلال الصهيوني، وقبل ذلك أذنابه الذين ينسّقون معه أمنيًا فيطاردون المقاومة وأهلها ورموز الشعب وخيرة أبنائه.
لسنا خائفين على فلسطين من النسيان وسط انشغال الأمة بالتخلص من طغاتها، على العكس نشعر أن هذا الربيع سيزهر في فلسطين، وسيكون ختامه الأجمل هناك، لأن الأمة حين تستعيد قرارها ستكون أكثر قدرة على إنزال الهزيمة النهائية بالعدو.
الأمة لم تنس فلسطين، والثائرون في الشوارع العربية سيكونون على موعد معها، وقد رأيناهم يهتفون باسمها في شوارع القاهرة، وفي اليمن وليبيا وتونس، بينما رفضوا في شوارع سوريا أن يزايد عليهم نظام بشار الأسد في حبها والانتماء إلى قضيتها.
عيد مميز هذا العام، وندعو الله أن لا يحل عيد الأضحى إلا ونكون قد تخلّصنا من طاغية آخر، والأمل أن نتخلص من طاغيتين وليس واحدًا فقط، بينما ندعو الله أن يأتي رمضان القادم وسط أجواء أكثر روعة تتمثل في انتفاضة عارمة في فلسطين المحتلة تتوج ربيع الثورات وتفتح باب النصر والتحرير على مصراعيه.
تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن