هروب!
الطقس شديد الحرارة، لا بأس! لن أتوقف، مستمرة أنا في الهروب...
الطريق يبدو طويلا، ويشتد وحشة... لعلي ضللت؟ هل ألتفت الآن يميناً أم أذهب يساراً؟ خائفة؟ لا، لست كذلك. أنا اخترت، اخترت أن أهرب من كل شيء إلى لا شيء ولا مكان ولا أحد... أريد أن أكون وحيدة في مكان فراغ، ليس فيه أخبار ولا قصص ولا بشر! أريد أن أخلي رأسي من الأفكار وقلبي من الأحزان.. لا أريد أن أبقى في مكاني وعام جديد يدخل علينا، وفلسطين على وجعها وحسرتها، وسوريا على جراحها ودمائها النازفة، وبورما والصومال و...
جيد، أشعر أني ابتعدت..
ما هذه الحشرة؟ غريب شكلها! هل أنت هاربة مثلي من عالم الحشرات لأنك تتمنين فعل شيء ولا تستطيعين؟ ربما أنت كذلك! أتدرين أيتها الحشرة؟ في داخلي عجز أكبر من عجزك، الحاقدون ما أكثرهم وما أشد لؤمهم وخبثهم، وأنا لا أستطيع فعل شيء! الإسلام محارب من أعداء ومنافقين ومدّعين وأيضا من مسلمين، محارب في مصر وفي لبنان وفي فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي كل الكرة الأرضية! صمتنا سنوات طويلة على قهر حكام حكمونا، فاستطاعوا أن يغيّروا الموازين، ونجحوا في تربية الناس على أن الإسلام صلاة في المسجد، وصوم في رمضان، و باقي الأركان يمكنكم أداؤها أو تركها، ولا شأن للإسلام بعد ذلك في أي شيء أو أي أمر.
انفجر الناس ثائرين مطالبين بزوال الطغاة، لكن العجيب، أننا فوجئنا بطمع الكثيرين في السلطة على حساب كل المقاييس والمعايير، ولم يقبلوا باقتراع ولا انتخابات ولا أغلبية ولا ديموقراطية ولا شورى ولا تصويت ولا... وظهرت النوايا الحقيقية وزالت الشعارات الكاذبة..
مللتِ أيتها الحشرة من مشاكل البشر؟ سأكمل جملتي ثم اذهبي، معك حق فنحن مملون جدا.. حدث ذلك في فلسطين منذ سنوات عندما انتُخبت شخصيات من حماس للوزارة وبعض المناصب، وشهد الإعلام كله بنزاهة الانتخابات وصدقها وشفافيتها، ثم شعر العدو، وأصدقاؤهم من بني جلدتنا بخطر الإسلام على كراسيهم ومناصبهم وأموالهم، فانقلبوا وأثاروا فتنا لا أصل لها، وكان الانقسام!! نعم فلسطين محتلة ومنقسمة! وفي مصر تتكرر الحكاية، ونسأل الله أن ينجيها من فتن الليبراليين والعلمانيين واليهود وآسفين يا ريس والناصريين وحتى ممن كنا نظنهم في صف الإسلام وأهله.
وفي الصومال...هربت الحشرة!
ما زلت أسمع أصواتا، سأواصل الهروب حتى تزول الأصوات، لأنني لا أريد أن أسمع المزيد من قصص الطماعين مع ضعاف فقراء رواتبهم ضئيلة جدا، كلما قصروا في عمل كانت العقوبة نفسها ومن أول غلطة: خصم من الراتب المخصوم أصلا، فيأتي آخر الشهر والموظف المسكين مديون للمؤسسة أو الشركة! ويبقى في عمله، على أمل أن يأخذ راتبا في الشهر التالي! سألت: هل في المقابل يكافأ المجتهد ماديا؟ الطماعون لا يفعلونها!
طاقتي للهروب تزداد، لو هربت من قصص الفشل لكفاني سبب! في أسبوع واحد وفي مقابلات شخصية لطالبات وظيفة استقبلت خمس مطلقات من أصل سبع متقدمات! والأسباب الغالبة كبرياء وعناد، وعدم تربية الأبناء والبنات على احترام الآخر، ولا تقدير لمسؤولية! ومن أين تأتي المسؤولية والأبناء والبنات يربيهم خادمات وسائقون؟ أما الحوار فهو مفقود بين الأبوين من جهة وبين الأبناء والآباء من جهة أخرى، وإن بدئ حوار فإنه سرعان ما يتحول إلى شجار!
لم أتعب بعد، فقهري كبير يظل يشحنني فأمضي بقوة أكبر، لن أستطيع أن أنسى أن صديقة لي بكت وبكت لأن كتابا ألّفته لم يرخص! نفّذت ما نشّئت عليه وما تعلمته فوضعت الأهداف والخطط، واستعملت إمكاناتها ومواهبها لتفعل شيئا مميزا، وكان الكتاب الذي سعدت به أيما سعادة، وسنوات ثلاث وهي تحاول استصدار ترخيص لطباعته، وبدّلت وغيّرت، وما زال يُرفض لأنها تصر على أن تقول رأيا في ظلم، وعليها ألا تقول! أفهمك يا صديقتي، فالقصة ليست جملة مكان جملة - وما أسهله - لكن القصة أن الرأي ممنوع والاعتراض على الظلم ممنوع.. عيشي وكلي واشربي وكوني كالأنعام ولا شأن لك بما يجري!
ما هذا الطريق الذي لا نهاية له! وهل لأفكاري وأوجاعي وخواطري نهاية؟ لا بد من التناسب.
أهرب من ناس حولي مفروضين عليّ فرضا، مللت من تدخلاتهم وكثرة عتابهم ونفاقهم، لا أفهمهم ولا هم كذلك، خنقوني وقتلوا حماسي ونشاطي!
إلى أين تؤدي هذه الهضبة؟ سأصعدها.....
يا إلهي! ما هذه الأنوار والإضاءات؟ هل سأهرب من جديد؟
من يتصل بي؟ أمي حبيبتي! أنا بخير والحمد لله.. لا لست بعيدة يا حبيبتي، خلال وقت قصير سأكون عند قدميك.. وأبي يسأل عني؟ في الطريق إليكما!
ّ
قال الحكيم أبي : هكذا الدنيا يا ابنتي، ولو لم تكن هكذا لما سمّاها الله دنيا، ولما اختلفت عن الجنة.. أتريدين دخول الجنة دون نصب وتعب؟ دون جهاد وصبر؟ كيف، وإنما هي أعدّت للصابرين والمسارعين في الخيرات والقائمين على شؤون الناس خدمة وتعاونا ونصحا.. الجنة للعاملين لها، وليست للمنهزمين! الله ناصرنا ومعلي شأن الإسلام ومظهر الحق، ومزهق الباطل.. هذه سُنّته وهذا وعده.. لست أرى ظلاما في كل شيء كما تفعلين! فما هذا الغليان في عالمنا إلا لتغيير نحو الأفضل، وما هذا الاضطراب إلا لانصلاح أحوالنا وخلافة قادمة وعدل سيعم!
ستكونين معنا لتجاهدي كما عرفتك، ثم لتحتفلي مع المحتفلين بالنصر القادم والإسلام المنتصر.. إنه العام الجديد، تفاءلي وسيكون أحلى، وأحسني الظن والله عند حسن ظننا به. أتراك نسيت؟ أم نسيت؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن