لصوص الثورات
لا بدّ من الاعتراف بأن الثورات انطلقَتْ شرارتُها قبل عامين بدون برنامج... لا إسلامي ولا غير إسلامي... وإنما بدوافع من النقمة على الظلم والكبت والقهر وانتشار البطالة وصعوبة الأوضاع المعيشية إلى حدودٍ بالغةِ القسوة... مع تراكُم مشاعر الألم في الوعي الجَمْعي للشعوب من جرّاء الذلّ والتخلُّف حصيلةَ عقودٍ من الهزائم والخيانات وسياسات الفشل الذريع... خاصة في موضوع اليهود والقضية الفلسطينية وفي موضوع الطبقية التي تكرّست في كل البلاد: بين طبقة الحاكم وعائلته والبِطانة المنتفعة من التقرُّب منه وخِدْمته بل تقديسه وتمجيده في صورة مُهينة أعادت إلى الذاكرة عهودَ خُنوع العبيد الأذلاّء للإقطاعيين والأثرياء... وبين العامّة المسكونين بالرعب من أجهزة المخابرات التي تملك آلة البطش والترويع الرهيبة... أو المُهانين بذُلّ الفقر المُدْقِع ومستوى الجهل المُروِّع... وبينهما طبقة تسمّى (الطبقة المتوسطة) التي كلُّ همِّها تأمين معيشةٍ مُريحة وفُرَص تعلُّم لأولادها وتبحث عن البُعد عن (وجع الراس) من التعاطي بالشأن العام فضلاً عن الأخذ على أيدي الظالمين كما يأمر الإسلام ضمن أداء جماعي منظّم على هَدْي الكتاب والسُّنَّة وقِيَم الإسلام... لأنه هكذا فهم أئمة الدين إسلامَنا العظيم: كما قال الإمام المجتهد الفذّ أبو حنيفة ناصحاً الإمامَ الصالحَ الغيورَ (إبراهيم الصائغ) الثائر على ظلم أبي مسلم الخُرَاساني (ت 137هـ): ((إن هذا الأمر لا ينهض به واحد... إلا أن يجد عليه أعواناً صالحين ورجلاً يرأس عليهم مأموناً على دينه)).
ومع ذلك لا بد من تسجيل حقيقة كبرى وهي أن ثورة الشعوب انطلقت من ضميرها الإسلامي ومكنونها الإيماني وعُمق ولائها للإسلام... وهنا تدخَّل ثلاثةُ أفرقاء:
الأول: فريق معبِّر عن تطلعات الجماهير ومنسجم مع هُوِّيتها أعطته بأغلبيتها ولاءها بغضّ النظر عن التسميات الحزبية... ولقد حصد هذا الفريق نِتاج ولاء الشعوب الفِطري لدينها...
والثاني: القُوى الدَّوْلية التي أخافها وفاجأها العنصر الإسلامي والمحرّك الإيماني فراحت تَدْأَب بمكرٍ لئيم وإمكاناتٍ كبيرة مالية وسياسية ومخابراتية - وحتى عسكرية كما حصل في بعض بلاد الثورات - لحَرْف الثورات لمصلحتها وتكريس هيمنتها على بلاد المسلمين!
والثالث: فريق من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكنه هجين الثقافة مهزوم الروح يعمل بمكر أو بجهلٍ للالتفاف على الثورات ... وأقصد الحاقدين على الشريعة الإسلامية المغتاظين من الهُوّية الإسلامية... وهم أخطر من اللصوص! حتى إن صَخَبهم الإعلامي أثّر على بعض القيادات الاسلامية والفكرية ، فقد حضرتُ قبل شهرين مؤتمراً نظّمه مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: (الإسلاميون وثورات الربيع العربي) فهالني فيه مشهد الانبطاح الثقافي من عدد غير قليل من المفكرين والمثقفين والسياسيين الإسلاميين، فقد اختفت من خطاباتهم - أو كادت - حتى كلمة (الإسلام)! ولا يتردّد السامع أن الدعوة إلى فلسفتهم الوضعية (الديمقراطية) ـ ولو أرادوا منها الآليات ولكن يجب البيان للناس أن الإسلام يتناقض مع فلسفتها وجذورها الفكرية بغضّ النظر عن آلياتها التي فيها ما يوافق عليه الإسلام وفيها ما يحرّمه ـ حلّت محل الدعوة إلى (الإسلام) ونظامِهِ وحضارته وقِيَمه... ومعلوم أنه لا يعبِّر عن صدق وعمق الولاء للإسلام إلا: الدعوة إلى تطبيق الشريعة.
بيتُ القصيد: أنه إنْ لم تكن سرقة الهُويّة والتآمر عليها هي أخطر أنواع (اللصوصية) وأشنع ممارسات (التشبيح الثقافي) فما هي اللصوصية؟!!!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن