كذبوا وقالوا: اللهم إنك تعلم أنا لا نملك إلا الدعاء
ضمن سياسة التخذيل والتهوين والتضعيف لعزائم الأمة، وفي إطار إبعادنا عن هموم الآخرين وإدخالنا في أنفاق العاجزين الجالسين على رصيف المهانات والذلة، وضمن استلاب شعور العزة والفخار من قلوبنا وحشوها بالاتكال على الآخرين البعيدين وتسليمهم زمام يومنا ومستقبلنا، يخرج علينا خطيب الجمعة، الناطق الرسمي، والمتحدث في المناسبات الخاصة والعامة، والمتصدّر مشهد المقدمة في الحفلات، والمدرّسون والوعاظ إياهم، يخرجون علينا بمقولة ممجوجة مكذوبة تخدم أعداءنا وتنزل من قيمتنا، كلها كذب ودجل وافتراء على الله الكريم، رب النعم العظيم، فيقولون: «اللهم إنك تعلم أنّا لا نملك إلا الدعاء»!
ويحهم! والله إنهم يكذبون على الله عزّ وجل أولاً، ويكذبون على مستمعيهم ثانياً، ويكذبون على أنفسهم ثالثاً، ويكذبون على التاريخ أخيراً، وتسجل الأجيال القادمة أجيال التحرير عليهم زَيف ادعاءاتهم وبهتان ما يقولون!
هذا الثائر المجاهد القدوة (محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم) وحده يقاتل الدنيا بأسرها، ويعلنها بكل قوة: «لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، ثم استعبر المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: «أقبل يا ابن أخي، فلما أقبل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب يا ابن أخي فافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا».
سبحان الله العظيم.. أعجزنا أن نكون مثل أبي طالب، ونقول لإخوتنا المسلمين في سوريا وفي بورما وفي روسيا وفي فلسطين وحتى في دول عربية وإسلامية، أعجزنا أن نكون مثل أبي طالب ونعلنها كرامة لديننا ولإنسانيتنا ولأبنائنا وأجيالنا القادمة بأنا لا نسلمهم أبداً؟
جاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصراً على قبيلة بكر الذين غدروا العهد -كما اليهود يغدرون اليوم-.
لم يعتذر المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه إلى السماء، ويقول اللهم إنا لا نملك إلا الدعاء، ولكنه قالها مباشرة، مع قلة العدد والعتاد، قال: «نُصرت يا عمرو بن سالم»، ونظر إلى سحابة في السماء وقال: إنها لتستهلّ بنصر بني كعب، هذه هي سنة المصطفى المهجورة، فهل يقوم في أمة الإسلام اليوم من يطبق هذه السنة، ويقول نصرت يا شعب سوريا، نصرت يا أقصى، نصرتم يا مسلمين يا مستضعفين يا من تُذبحون جهاراً نهاراً؟! هل يقولها منهم قائل وتكون أمة الإسلام خلفه جيشاً سنداً ودرعاً؟ أم أنهم لا يملكون إلا الدعاء!
تقدّر ودائع العرب في بنوك الغرب بنحو خمسة تريليونات من الدولارات، والرقم أكثر من ذلك بالتأكيد، والزكاة المستحقة على هذه الأرصدة تعادل 125 مليار دولار سنوياً، أين تذهب هذه الميارات المفروضة على أموال أغنياء المسلمين، أوليست حقوقا للمساكين والمظلومين والمغلوبين على أمرهم؟ وما زالوا يقنعوننا ويقولون اللهم إنك تعلم أنا لا نملك إلا الدعاء!!
ولولا جماعة هنا وهناك، قدّموا مع دعائهم القليل القليل من المال الخالص لله عزّ وجل فكثّره ببركته، وصبّرهم على عدوّهم مع قلة ما يملكون، وضيق مكان يفترشون، وملأ قلوبهم بكتابه، ومع ذلك ما رفعوا أيديهم إلى السماء ليفتروا على الله الكذب، اعتذاراً من قلة حيلة واستسلاماً لهوانهم على أناس أعطوهم أو منعوهم، وأقول لولاهم لقلت مقالة المعرّي: فيا موتُ زُرْ إن الحياةَ ذميمة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن