اسطنبول
رسالة الأزهر ورسالتنا للرئيس مرسي
من لا يعرف حجم ما تُراهن عليه سياسة طهران في ترويج مفاهيم العبور لمشروعها والقبول للتعاطي معه في الأوساط الأممية الإسلامية ورمزياتها الكبرى في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فلن يعرف مقدار الخسارة التي تعرضت لها إيران ومشروعها الطائفي وسياقاته السياسية إثر المواجهة الفكرية والسياسية التي وجهها الأزهر الشريف في زيارة الرئيس الإيراني نجاد إلى مقر الإمام الأكبر ولقائه معه، وهو اللقاء الذي
نُقل المؤتمر الصحفي بعده على الهواء مباشرة وأظهر أمام العالم توتّر الرئيس الإيراني ومستشاريه ومترجمه ومقاطعته لممثل الأزهر في المؤتمر الشيخ حسن الشافعي، إلى الدرجة التي تُعتبر فيه تلك المقاطعة محاولة للانسحاب من المؤتمر حتى لا يستكمل الشيخ الشافعي ذكر القضايا التي ناقشها الإمام الأكبر مع نجاد وهو ما ظهر أنه قرار مسبق للأزهر الشريف لرفض برنامج التعتيم الذي تلغي به طهران ذاكرة الوعي مستغلة المراعاة البروتوكولية التي لا يُمكن للأزهر الشريف في ظل مسؤوليته الكبرى كقيادة أُممية فكرية أن يقبل بها وهو يواجه عدوانا إيرانيا صارخا في المسار السياسي والطائفي على الأمة.
ومهما قيل عن حجم الصورة الدبلوماسية التي خرج منها الايرانيون من مصر وقد تُشكل قاعدة لرجوعهم للبناء عليها خاصةً بعد تورط دولة خليجية في برنامج إسقاط الرئيس مرسي ونشر الفوضى العنيفة على الأرض المصرية، أو فتور مواقف أخرى لعواصم خليجية، ولذلك لا يجب أن يستغرب أحد أن تتيح الدبلوماسية المصرية مساحة لإيران لتحقيق مصالح مصر القومية بعد أن خُنقت عربياً وخاصةً من طرف خليجي، فهذه قواعد لعبة قائمة في مساجلات الدول، ورسالة في توقيت مهم لمشروع المحور العربي الجديد الذي يُفترض أن يُشكّل قاعدة انطلاق مهمة للتوازن العربي القادم الذي يؤسس لاستقرار وتبادل مصالح في الإطار القومي ويعزز التنمية والأمن معاً، وإن كانت هذه الهجمة أو الجفوة لا تُبرر الموقف السلبي من الرئاسة والدبلوماسية المصرية تُجاه الثورة السورية ونقولها مصارحةً للجانب المصري ومراهنة على أنّ وحدته مع الشعب السوري هي ضمان قوة، ولا تقبل المعادلة الخطيرة مجاملتهم بإبداء المشاعر في مقابل الانكسار أمام أي شروط إيرانية في الخطاب الموجه للعالم والمسلمين، بل العكس هو المنتظر وهو نقل ما أعلنه الرئيس مرسي من مواقف تضامن الى خطوات عملية بتعاون مع الأضلاع العربية وتركيا لتحقيق انهاء المعاناة للشعب السوري.
والرئيس الذي نتمنى له ولمصر العظيمة عبور المؤامرة والخلاف السياسي الشرس بتوافق وطني يحفظ خيار الشعب وثورته يُدرك بجلاء أن لا مُنقذ بعون الله لهذا الشعب الا حسم ثورته بالنصر وأنّ أنصاف الحلول والمبادرات القولية والسياسية لا تُقدم إلا مزيداً من مساحة التبرير والتقاذف الدبلوماسي لإبقاء المعاناة على الشعب السوري.
إننا نُدرك الظرف الذي تعيشه مصر وتطويقها من الداخل وتربّص الخارج، لكنّ هذا التبرير الذي يؤسّس على أنه عذر دائم لتأخر مصر مرسي والثورة عن مساندة الشعب السوري في مشروع الخلاص الكبير هو خديعة نأمل ألا تستمر في تضليل الدبلوماسية المصرية، بل إنّ الرواق الدبلوماسي الدولي والإقليمي وبناءً على رصد سياسي وتحليل موضوعي تثبت تجاربه بأنّ مواقف الحزم الخارجي ترتد بالإفادة داخلياً على الدول وتُعطي رسائل مفيدة لها، في حين أن التماهي المستمر مع الضبابية سوف ينعكس عليها وعلى دورها فما بالك هنا في هولكست الشعب السوري وأرضه.
ولا يجوز لنا ككتّاب أو مثقفين عرب أن نجامل الرئاسة المصرية أو الخط الوطني الذي قرر الحفاظ على الثورة في شرعية الرئيس المُنتخب رغم خلافهم مع طريقة الإخوان في التعاطي مع المشروع والشراكة الوطنية، بل نكتب بمصارحة الحب والود والحرص على مصر والتذكير بأن ما يجري في سوريا حرب إبادة لن يرحم التاريخ أي تساهل معها، وحين يُردد البعض رضوخ أي طرف عربي لمعادلة ضغط غربي ثم يقول ها هم قد رضخوا فماذا على مصر أن تفعل؟
هنا كأننا نستدعي ذات مواقف وتبريرات الحكم المخلوع.. ماذا على مصر أن تفعل؟ إنها تحت الضغط!!، فسيسأل الآخرون إذن ما الذي تغيّر بعد عهد الثورة؟، ونشرح هذا المسار المهم فنقول، نعم هناك حسابات استراتيجية وقراءة دبلوماسية ومساحات نظر وتدرج، ولكن بالجملة لا يمكن لأي دولة تخرج في إطار ثوري بخيار شعبي أن تستدعي كل تلك القياسات لقراءة قواعد اللعبة بل تفرض مقاسها بدبلوماسية ناعمة أو خشنة وتفرض خلالها قواعد لعبة جديدة، هكذا يتشكّل التاريخ السياسي والدبلوماسي في العالم، والاختباء خلف مدارات المصالح الوطنية أو الحزبية لن يورث الدولة القومية قوة لو تخلت عن واجباتها القومية والإسلامية الكبرى فكيف في ظِل علاقة مع أبرز طرف يعادي الشعب السوري ويمارس عليه أعمالا منظمة للذبح سواءً إيران أو الروس أو مراعاة موقف الغرب؟
إن إدخال مصر في هذه التوافقات الكارثية التي شرعت لاستمرار المذابح في سوريا وشجّعت بقاءها هو بحد ذاته من قضايا المفاصلة الكبرى بين الأُمم ولقد رأينا كيف تعامل الغرب بصرامة مع أي تعد على شعوبه، فتفريغ دور مصر الى تحقيق تفاهم مع الايرانيين لن يوقف العدوان وإنما بالسعي المباشر لدعم القطاع الذي توحّد بالفعل في الثورة السورية سياسيا واستراتيجيا ولوجستيا في الميدان وتحقيق جسر لكل الأطراف وخاصة الخليجية المترددة لتكون مصر بوابة العبور فتكسب موقفها المبدئي مع الشعب السوري وتحقق لها وللعرب ولتاريخ الدولة السورية الجديدة مقام الحاضن مع الشقيق الجديد الذي سيُساهم في نهضة مصر ذاتها وتعاون العهد العربي الجديد.. ولم يعرف العهد الدبلوماسي والسياسي العربي والدولي مراحل تغيير كبرى لصالح محاوره الصاعدة من خلال المجاملات الدبلوماسية بل التقدم الى تحقيق الإرادة السياسية بمصالحها القومية والأممية، وهنا خيار مصر الذي نتمنى ان تلتقيه لتصعد ثورتها ودولتها باحتضان شجاع للثورة السورية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
نبذة عن الكاتب
اسطنبول
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن