صناعة التاريخ في "رابعة العدوية"
لم تعرف الحياة السياسية العربية حركة قدمت نموذجاً في الصمود كما فعل الإخوان المسلمون في مصر. صحيح أن جل المتظاهرين ليسوا من الإخوان تنظيمياً، لكن الجسم الحامل للحراك هم الإخوان. وهو ذات الدور الذي لعبوه في ثورة 25 يناير. إذ لا يغيب مشهد د. محمد البلتاجي في موقعة الجمل وما تلاها؛ عندما لم يبق أحد قادر على صد هجمات الأمن والبلطجية، تصدى شباب الإخوان وحموا الميدان، وهذا ما اعترف به ألد خصومهم نجيب سويرس في مقابلة موجودة على "يوتيوب".
قد يضحي الإنسان بنفسه، لكن أن يضحي بنفسه وأولاده، فهذا ما بعد الشجاعة. د. البلتاجي، وهو عينة من قيادات الإخوان، يتواجد وعائلته في ميدان رابعة العدوية، وتستشهد ابنته أسماء أمام عينيه. حفصة، ابنة خيرت الشاطر، تستشهد هي وزوجها الطبيب. لا يقل أي من هؤلاء عن نحو ثلاثة آلاف شهيد قضوا منذ الانقلاب الدموي، لكنهم يقدمون للمصري وللعربي وللمسلم نموذجاً غير مسبوق في التضحية والتجرد والشهادة.
عندما شاهدت صمود د. البلتاجي أمام مشهد استشهاد ابنته، تذكرت موقفاً مشابها لعصام العطار؛ المراقب السابق للإخوان المسلمين في سورية، عندما اغتالت المخابرات السورية زوجته بنان الطنطاوي العام 1982. يومها خطب في المعزين ليقول لهم إن كل يتيم في سورية هو بمنزلة أبنائه الذين تيتموا، وكل حرة استشهدت في سورية بمنزلة بنان. هؤلاء هم من يصنعون التاريخ من خلال بناء النموذج والقدوة.
لا يمكن المقارنة بين من يمثل النقاء الثوري من معارضي الانقلاب، وهم تيار شعبي عريض يتجاوز تنظيم الإخوان، وبين الانقلابيين الذين يريدون الانتقام من ثورة 25 يناير، والعودة إلى ما هو أسوأ من أيام حسني مبارك. إنهم يقلدون نموذج بشار الأسد؛ أي المجازر والمزيد من المجازر. وفي النهاية، يفاوضك العالم على إيقاف المجازر. قامت الثورة السورية بعد سقوط مبارك، وقلد الشعب السوري الشعب المصري في سلميته، وكتبوا شعارات "إجاك الدور يا دكتور". للأسف، انقلبت الآية؛ وقلد النظام المصري نظام بشار: "الأسد أو نحرق البلد".
شخصية وزير الدفاع المصري، عبدالفتاح السيسي، تمثل أسوأ النماذج في السياسة المصرية؛ فهو يقنع الإخوان أنه إخواني، والناصريين أنه ناصري، و"الإسرائيليين" أنه "إسرائيلي". كان يحرص أن يلتقي بالرئيس محمد مرسي يومي الاثنين والخميس ليتبارك بتناول إفطار النافلة معه، وكان يبكي خلفه في الصلاة. وفي المقابل، كان يقيم أوثق العلاقات من خلال المخابرات العسكرية مع "الإسرائيليين". وضعفه هو الذي يفسر عنفه؛ فهو غير قادر على مواجهة الجماهير وقياداتها، ولذا يسلط عليها الرصاص.
في المقابل، وفي كل ميادين مصر، تبرز قيادات كبرى تُصقل في ظل المواجهة. وهي مواجهة طويلة صعبة قاسية. كل فتاة تصمد في وجه الرصاص والبلطجية، من أمثال الشهيدات أسماء أبو شعيشع إلى أسماء البلتاجي إلى حفصة الشاطر، أكثر تأهيلاً وشجاعة من الجنرالات ومن والأهم.
في مصر ثوار ليس لديهم ما يخسرونه؛ هل ثمة خسارة أكبر من ابنتك؟ ما معنى الحياة عندما تقتل ابنتك برصاص ممول من جيبك؟ قالها عبد الرحمن الكواكبي من قديم: "إن أكثر ما يخشاه الطغاة أن تكون الحرية أثمن من الحياة". وهذا ما حصل في مصر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة