تاريخ الصحابة وأحوالهم
قال الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير﴾ (1)
موضوع الصحابة الكرام زاخرٌ بالجديد الألمعي، وقد كتب في ذلك آلاف من المؤلفين – جزاهم الله عنّا خيراً – أجادوا في أبحاثهم وأغنوا المكتبة الإسلامية بالعلم الرصين الهادف، المفيد لشباب هذه الأمة المجيدة، عسى تعود الصحوة الفكرية الإسلامية لتستخرج الكنوز المخبوءة في دهاليز وسراديب التراث الإسلامي...
وإن الذي رمته من هذا المقال مغايرٌ لكل الأساليب التي انطوت عليها مؤلفات السابقين في هذا المجال.
أردت أن أنال رضى ربي عز وجل، بتعداد صفات يحبّها الله في عباده بشكل عام – من باب الدلالة على الخير عسى ينالني ثواب فاعله – وبشكل خاص صفات عالية العظمة والأهمية في صفوة عباده بعد الأنبياء، مثنيةً عليهم موقرة لهم مجلَة، فيحبني الله ويحبني رسول الله، لأن من يحب صحابته فبحبه أحبهم ومن أبغضهم – أعاذنا الله من ذلك – فنبغضه أبغضهم.
ورد قول لمالك بن أنس جاء فيه:( من غاظه أصحاب رسول الله فهو كافر لقول الله تعالى:﴿ليغيظ بهم الكفّار﴾). (2)
وقول لأبي أيوب السخيتاني:( من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ومن أحبّ علياً فقد أخذ بالعروة الوثقى، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم بريء من النفاق). (3)
وهاكم قولٌ جميلٌ لابن مسعود رضي الله عنه، يثني على الصحابة:( إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته. ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد. فجعلهم وزراء بنيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء. (4)
صدقت ابن مسعودﹴ، رضي الله عن صحابة رسول الله جميعاً. لله دركم من رجال عظام عجزت نساء هذا العصر أن ينجبن مثلكم.
حريٌ بكل عالم أن يسهم في إبراز عظمة الصحابة كلهم، ويتعاون كل الكتّاب على إضاءة المواقف التي شبّه فيها المنافقون والمستشرقون على أشبال هذه الأمة، ليحوّلوهم عن التأسّي بالسلف الصالح وبالتالي يصبحوا مجرد آلات نسخ للعالم الغربي ورجال الغرب وقوم تقليد ومحاكاة. لنرى أشباه المسلمين وما ندري أهجينٌ هم متغربجون...
أقول هلاّ تركنا فوانيس الغرب التي بدل أن تضيء الدروب، تعمي الأبصار ونستضيء بأنوار النجوم القوية، فيجري الحق مجرانا ونحاذر المسالك الإبليسية اللعينة ونمضي بطريق رسمه الرسول صلى الله عليه وسلّم لنا وحذّرنا من السبل التي على يمينه ويساره.
حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة أمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". (5)
الحمد لله رب العالمين، كل يوم يطالعنا كتاب في سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولكن الهجمة شرسة تعمّ بظلمتها على النور الذي يخرج بين الحين والآخر، تطال النبي بل كتب تطال الذات الإلهية من أقزام أرباع متعلمين، يحاولون التشبه بالملحد رشدي، يريدون قطع شوط الشهرة بقفزة واحدة، لا يجدون سبيلاً إلى ذلك سوى بالتجديف على الله عز وجل وعلى رسوله وصحابته وكتابه... لأطفأ الله نور عيونهم إن لم يتوبوا في آخر أمرهم ورد كيدهم في نحورهم.
وكلمة أخيرة من باب النصح للمؤمنين، أوجهها لناقلي الحوادث والفتن التي جرت بين الصحابة، وأقسّمهم إلى أقسام تالية:
1- قسم يود تحليل الأمور بحيادية ومنطقية بمقياس ومفهوم العصر فأخطأ...
2- قسم توخى حسن الظن في نقل الحوادث فكتم أموراً وساء بدل الإجادة...
3- قسمٌ خدع بالأساطير الكاذبة في التاريخ المشوّه عن عمد فنال من بعض الصحابة معتبراً نفسه منصفاً ومصيباً وما فطن للروايات المكذوبة فساهم في نشر الضغينة المصطنعة والملفّقة وكان في صف الحاقدين على الإسلام دون أن يدري.
4- قسم اعتمد على الله عز وجل، ثم اعتمد على تحليل التاريخ المنقول من الكتب وقاسها بميزان الجرح والتعديل للرجال الناقلين وللروايات المنقولة، فاستطاع بفضل الله كشف بعض الحقائق المطموسة ورد بعض الحق لأصحابه وكشف الدسائس الموجودة فأجاد بفضل الله ونعمته وأصاب.
5- قسمٌ لا ينبغي أن يقرأ لهم فهم حاقدون موتورون، يريدون هدم الإسلام وهدم مكانة المثل الأعلى لدى كل مسلم ومسلمة، قاموا باختلاق الأكاذيب والتلفيق ودسّوها في الكتب التاريخية مثل أبي مخنف، الذي تملئ مروياته تاريخنا الإسلامي فتأملوا إخوتي مدى خطر هذا الأمر على المسلمين الغافلين، اللاهين عما يدور من وراء ظهورهم، وأحيلكم لكتاب أصدرته دار القلم بدمشق تتناول فيه سيرة الصحابي معاوية بن بي سفيان، جزى الله مؤلفه خير الجزاء. توضح لكم ما أقصد.
فالله الله فينا يا من تتجرأون وتتناولون أخبار الصحابة بالتحليل والتفنيد، حذار الوقوع في الأفخاخ المتوارية لكم هنا وهناك.
غفر الله لبعض المؤلفين الذي انبعث من كتابه ظلام حيَك على قلوب قارئيه نسيجاً من الحقد والكره لبعض الصحابة، ورحم الله بعض المؤلفين الذين أدمع ما كتبوه حول سيرة الصحابة عيوناً ونوّر قلوباً وحمل شذى وعطر المحبة ليثرها في الجيل الجديد... أحيلكم لكتاب الرحيق المختوم للمباركفوري وابعثوا لي تخبروني بماذا تشعرون بعد قراءته؟
وأخيراً أورد هذا الحديث العظيم لتعلموا إخوتي قدر الصحابة وما يترتب على إساءة الظن بهم عسى المخالف يرعوي والكاره يشفق على نفسه والمبغض يبغض شيطانه الموسوس له والمحب يزيد حباً وتعظيماً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"نعم الرجل أنا لشرار أمتي، فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي إلا أنها مباحة يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي". (6)
اللهم أمرتنا فأطعنا ونهيتنا فانتهينا، فألهمنا مولانا السداد والرشاد والحكمة في القول والفعل والنيات ونوّر قلوبنا بالبصيرة ونشهدك اللهم أننا نحب رسول الله ونحب صحابته وآل بيته المعظمين فاحشرنا معهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هوامش
(1)آية: 77-78 من سورة الحج.
(2)من كتاب: هذا الحبيب محمد محمد صلى الله عليه وسلّمﷺ .أبو بكر الجزائري، ط4، توزيع مكتبة الوادي، جدة، 1990م، ص: 570.
(3)نفس المصدر – ص: 570.
(4)انظر مسند الإمام أحمد" 1/379.
(5)أنظر صحيح مسلم. كتاب فضائل الصحابة. باب بيان ن بقاء النبي أمان لصحابه.: 4/1961.
(6)كذا في الكنز (7/272). [منقول من كتاب حياة الصحابة الجزء الثالث ص: 48].
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن