شبابنا والمواقع الإباحية (2).. الوقايـة والعـلاج
توقفت في العدد الماضي مع إحدى المشكلات الهامة التي تعترض الشباب وتعرقل مسيرة بنائهم النفسي والاجتماعي والأخلاقي والسلوكي، وقد تدمِّر مستقبلهم وتجعلهم يخسرون الدنيا والآخرة... وهي إدمان تصفّح المواقع الإباحية... والآن لا بد من وقفة نعرض فيها سبل الوقاية لمن لم يتورط في التردد إلى هذه المواقع وسبل العلاج لمن تردد إليها فأدمنها.... وفي البداية سأذكر السبل الخاصة بكل منهما ثم أتوقف مع السبل المشتركة التي تجمع بين الحالتين.
إن درهم وقاية بالتأكيد هو خير ألف مرة من قنطار علاج، هذا فيما يتعلق بأمور الصحة التي ربما كان دواءٌ بسيط كفيلاً بشفائها، ولكن ماذا عندما يكلف المرض صاحبه جهداً كبيراً للتخلص منه؟... عندها تكون الوقاية بالتأكيد أمراً مهماً للغاية...
وإن سبل الوقاية تكون فيما يلي:
1. من المهم أن يدرك الشباب والشابات أن الفضول الذي يدفعهم للتردد إلى هذه المواقع هو ذاته الفضول الذي يدفع الناس لتجريب المخدرات أو الخمر أو مقارفة الزنا... فكل المعاصي تبدأ بالفضول، ومتى اقترب الإنسان منها فإنه لن يضمن مدى تمكنها من نفسه ومدى استعبادها له مهما ظن نفسه قوياً...
2. تعرُّف الشباب إلى أضرار هذه المواقع على سلوكهم وأخلاقهم ونفسيّاتهم سواء في مرحلتهم العمرية الحالية أو في المستقبل، وإدراكهم أن هذه الأضرار تنال من الدين كما تنال النار من الهشيم...
3. اتخاذ قرار جازم وحازم بعدم ارتياد هذه المواقع ولو اضطر الأمر إلى كتابة عبارة تذكّر بتقوى الله والشعور برقابته ووضعها فوق الجهاز...
أمّا سبل العلاج الخاصة فيمن أدمن تصفح هذه المواقع فتكون فيما يلي:
1. إدراك المدمن أن علاج إدمانه لا يمكن أن يتم ما لم يقرّ بِهِ، ثم يأتي قرارٌ جازمٌ حازمٌ بالتغيير والإقلاع عن هذا السلوك، وأخيراً يُقرن قراره بالتوبة والتقرب إلى الله تعالى، ولا يبنيه فقط على الآثار السيئة التي يعاني منها، لأنه بذلك يضمن تأييد الله تعالى له، وينال رضاه ومحبته لأنه يمتثل أمره القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم: 8).
2. إدراك المدمن أن الشفاء من إدمانه لا يكون بالتدرّج، فلا يتخيل أن تقليل ساعات تصفح هذه المواقع أو عددها قد ينفع.. طريق الشفاء الوحيد يكون بقطع كل صلة تربطه بهذه المواقع وكل مخلفاتها من جهازه وبريده الإلكتروني دون تَصَفُّحها، ولو اضطره الأمر إلى إعادة تهيئة الجهاز (الفرمتة) من جديد، وفي قصة سيدنا يوسف عليه السلام الدليل، وذلك عندما آثر السجن على البقاء حراً كي لا تراه النساء ولا يراهُنّ... فقال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف: 33)، فقطع بذلك كل سبل التواصل بينه وبينهن...
3. تحفيز النفس بعبارات إيجابية تعزز القدرة على الإقلاع عن الإدمان، والتسلح بالصبر والإيمان...
أما فيما يتعلق بالسبل المشتركة للحالتين فتتمثل فيما يلي:
1. وضع جهاز الكمبيوتر في مكان مكشوف بحيث ترى العائلة كلها من يجلس إليه وماذا يتصفح، وعدم فتحه إطلاقاً في حال غياب العائلة عن البيت حتى لو اضطر الأمر لمغادرة المنزل...
2. تحصين الجهاز ببرامج حماية متطورة تمنع فتح المواقع الإباحية واقتحام النوافذ المفاجئة...
3. رفع كلمات السر عن الجهاز بحيث يغدو متاحاً لكل من يرغب استخدامه من أفراد العائلة.
4. وضع هدف معين ومحدد وعملي لاستخدام الإنترنت (كالبحث أو التواصل مع الأهل والأقرباء) والتقيد بهذا الهدف، وإغلاق الجهاز مباشرة فور تحقيق الهدف، والالتزام بعدم فتح الإنترنت دون هدف.
5. تحديد وقت معين لاستخدام الكمبيوتر أو الإنترنت والتقيد به، بحيث يتناسب مع الهدف.
6. تنزيل برامج أذكار وأوقات الصلاة على الجهاز بحيث يتم تكرار بعض الأذكار المعينة ويُرفع الأذان عندما يحين وقت الصلاة، وذلك على نحو يذكِّر فيه المستخدم بتقوى الله ومخافته.
7. عدم فتح الكمبيوتر إطلاقاً في أوقات الفراغ وشغل هذه الأوقات بأشياء نافعة وعملية كممارسة هواية مفيدة وخاصةً الرياضة، والمشاركة بالأعمال الخيرية أو التنموية، وتطوير القدرات والمهارات الشخصية، وحضور المحاضرات المفيدة، وتوطيد الصلات مع الأقرباء والأصدقاء.
8. توخّي الصحبة الصالحة والابتعاد تماماً عن الأماكن التي يُتداوَل فيها أحاديث تثير الفضول لتصفح مثل هذه المواقع، وقطع الروابط مع كل مَنْ يسلك هذا المسلك بأساليب لبقة وحكيمة.
9. تصحيح المسير بوضع هدف كبير للحياة والسعي لتحقيقه، وتحديد أهداف جزئية من شأنها أن تحقق هذا الهدف الكبير، وقياس النتائج المرحلية وتقييم السلوك وفق هذه النتائج.
10. ابتغاء الحلال في الزواج للمستطيع، وإخماد نار الشهوة لغير المستطيع بالصيام وعدم الإكثار من تناول الطعام وخاصة المأكولات الدسمة وممارسة الرياضات المفيدة...
وقبل كل ما ذكرت وبعده فإن تزكية النفس بتقوى الله في السر والعلن، والالتزام بالصلاة على وقتها، والإكثار من الذكر والدعاء لله تعالى بالحفظ والإعانة على التوبة النصوح... كل ذلك يجعل الإنسان ذا عزيمة على الحق وقوة في مجاهدة النفس تسهل أمامها كل الصعاب...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة