طالبة جامعية مهتمة بالكتابات الأدبية | الدوحـة
وطن على حافة النسيان
في جولةٍ من جولات البحث قرأتُ عدداً من المقالاتِ التي يتحدث أصحابها عن أصعب أنواع الكتابة، فبعض الكتّاب يرون أن الكتابة الفكاهية صعبة الطرح وتحتاجُ إلى جهودٍ مضاعفة، والبعض الآخر يرى أن الكتابة الدرامية هي الأصعب، وآخرون رجّحوا أنّ الكتابة للأطفال هي أكثر أنواعِ الكتابةِ صعوبة..
وفي الحقيقة أنّ أصعب أنواع الكتابة بالنسبة إليّ هي التعبير عن مايؤرقني من أمور أعايشها في وقتٍ عصيب، ومحنة شديدة حيث بعثرة الحروف، وضياع الفكرةِ والهدف!
كان ذلك الموقف قبل أن أعي بأن جمع الأنواع الثلاثة من الكتابة في عمل واحد (واقعي)، هو الأكثر مرارةً وصعوبة..
لقد علمتني الأحداث المتتابعة الموجعة في وطني السليب "سوريا" أن أصعب أنواع الكتابة هي الكتابةُ عنه، وسرد الأحداث والجرائم التي تقع على أرضه..
فلا القصص الدرامية ـ خياليةً كانت أم واقعية ـ يمكنها تجسيد نقطةٍ من بحور الدماء، ودهورِ الشقاء في ساحةٍ تكتظ بالمعربدين!
ولا العمل المسرحي ـ محلياً كان أم عالمياً ـ يستطيع تجسيد صورةٍ واحدةٍ من صور العذاباتِ والانتكاسات البشرية والمادية!
لعلّ كتابةَ سيناريو درامي أو عمل مسرحي استغرق مِن كاتبه سنواتٍ من العناء يصف فيه هذا الكاتبُ أحداثاً يهوّلها حسب ما يرى، تكون ضمن دائرةِ ما يحتمله العقل!
أمّــــا أن يســـتطيع عقلٌ بــــشـريٌ أن يــصـدّق ويدرك أحداثاً متواليةً ومـــــصـــــائـــب بـــشــريــة ومـاديــــــة تجتمع في نفس الزمان والمكان؟
حقيقةً ورغم أني يصعب علي وصف الدراما الإجرامية التي حدثت ولاتزال تحدث ويكتبها وينفذها عتاةٌ ظالمون؛ إلا أنها حدثت فعلاً ولاتزال مستمرةً في بلدٍ منكوب اسمه سوريا.
أرضٌ خلت من البيوت مُلئت بحجارةٍ حمراء صُبغت بلون الدم، سماءٌ بحثت عن لونها الصافي دونما جدوى، فقد صُبغت بلون البارود، بقايا بشر ينتزعون أنفاسهم انتزاعاً، براميل وصواريخ ودروع بشرية، ظُلمة وجوع وعطش وأوكسجين برائحة الموت!
مجرمون يملؤون الأرجاء جواً وبراً، معتقلٌ وحاجزٌ ومعسكر والكاتب والمخرج والمنفذ واحد!
مواقع التصوير تحت الشمسِ وفوق كل هضبةٍ وتلٍ ومسجدٍ وعمارةٍ ومدرسةٍ ومشفى!
ليتنا نقتدي بالصادقين حقاً، فتكون تعويذاتنا وصية شهيدٍ، وعطورنا دمع أمه..
ليتنا نحمل في قلوبنا لهفة الانتماء، والحب الصادق الحقيقي لوطننا، كما يحمله طفلٌ لم يتجاوز السابعة من عمره.. بدل أن تكون انتماءاتنا وهمية.
لافرق بين الدراما الخيالية والحقيقية أبداً، لا فرق سوى أن الخيالية لاننساها أبداً والحقيقيةُ نسيناها أبداً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن