أديبة وكاتبة | المدينة المنورة
رضينا
شعرت بالرهبة وأنا أستعد للذهاب إليها لتقديم العزاء، فماذا سأقول؟ وكيف أتصرف ومصابها جلل! إنها أمّ فقدت ابنًا شابًا، وكانت قبله -بسنوات ليست بعيدة -قد فقدت ابنها الأكبر الشاب الطبيب!
المكان مهيب، جلستْ في صدره تسلِّم على القادمات المعزِّيات، جلست ثابتة صابرة هادئة، قرأت شفتيها ترددان الحمد لله.. الحمد لله، حتى دموعها كانت تنساب في صمت واستسلام..
لعلي رأيت امرأة عرفت أن الابتلاء شعار الصالحين. ومَن أحبه الله ابتلاه.
لعلها عرفت الرضا فرضيت؟
الرضا الذي يجعل منك قابلًا منشرحًا بما كان ويكون من الله، ثابتًا هادئًا، صابرًا، حامدًا، محققًا الاستسلام لله، لديك يقين أن كل الأشياء حلوة أو مرة إنما هي بقدر، وأقدار الله جميلة مهما كانت شدتها، لأنَّ مَن استثمرها فرضي ولم يسخط أو يعترض وصبر؛ فاز بالجنة.
الرضا يجعلك تقف عند المحنة بحدود، ثم تتجاوزها وتكمل مسيرتك في الحياة، لأنك تعلم أن الدنيا إلى فناء؛ لا تستحق فرحًا أكثر من اللازم، ولا حزنًا أكثر من اللازم.
الرضا يرضّيك عن ربك وعن إسلامك وعن نبيك، وإن حققت ذلك ذقت طعم الإيمان وعرفته؛ كما أخبر وعلّم رسولنا [، ولعلي هنا أتذكر دعاءً جميلًا تعلمته من نبيي العظيم يدرِّب نفوسنا على الرضا: "رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد [ نبيًا ورسولًا"، دعاء كلما أشعرني الشيطان بالنقص كررته، فأجد حالي تبدَّل إلى القناعة والرضا والحمد، وأجدني أخذت أعدُّ وأحصي ما لديّ من نعم، فأرضى عن نفسي وحياتي وعن ربي.
الرضا قناعة بالمقسوم من الرزق: المال والأبناء والمسكن والصحة والأزواج... كيفما كان هذا المقسوم أو كم هو، فالرضا يجعلك تنظر وتحصي وتتأمل ما عندك، وتعتقد أنك في نعمة عظيمة، وأنك أفضل من كل الناس.
وهو أن تترك الناس وشأنهم، وتنشغل بمشاغلك ومشاكلك وشؤونك.. وأضمن لك ساعتها الإنجاز والإنتاج والتقدم.
وما أجمل هذا الرضا وهو يصلح القلب وينقيه، فلا حقد ولا حسد.
وهو الأخذ بالأسباب قدر الجهد والمتاح، هو النجاح والنشاط.. هو الحياة بلا كسل أو خمول ولا ضجر أو سخط.. هو راحة واطمئنان وحمدٌ لله في كل حال.
إن حياة بالرضا هي الحياة السعيدة، وهي رضوان الله والجنة.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة