قاعدة (لعلَّه خير منك)
يستسهل الناس عمومًا إطلاق الأحكام بحق بعضهم دون بيِّنة أو تثبُّت أو أساس علمي يستندون إليه. ويؤخذ على بعض أبناء الحركة الإسلامية اليوم: حكمهم على تديُّن الآخر من خلال سمات ظاهرية حُدِّدت وجُعلت مقياسًا للقُرب والبعد من منهج الإسلام ، ومن الجنّة والنار...!
ومثل ذلك؛ عدّ اللحية والنقاب أو الجلباب وكذلك الانتساب لحركة إسلامية أساسًا لتصنيف الناس بين: ملتزم أو غير ملتزم.. دون النظر إلى حقيقة الالتزام أو التدين. في حين أنَّ المعيار الأساس في الحكم على الناس حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنَّ اللهَ لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (رواه مسلم)، وقد يقول قائل: وما أدرانا بما في القلوب؟ نحن نحكم على الظاهر.. وهنا أقول: لأنَّ القلوب لا يعلم بها إلا ربُّها.. ولأن معايير التديُّن وقوة العلاقة مع الله لا تحدَّد فقط بالمظاهر والحركات الظاهرة، وإنما بالمعايشة والمعاينة والتجربة والخبرة ؛ فليس من حقنا أن نجعل ظاهر التديُّن مقياسًا؛ وإنما شأن المؤمن الصالح أن يُحسن الظن بالمسلمين، وأن لا يُطلق الأحكام بحقهم جُزافًا، وأن يلتزم منهج: الله أعلم..
وما يؤكد هذا الخطأ الكبير ؛ ما أورده الإمام أحمد في قصة طويلة، مفادها أن رجلًا _ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلَّم على قوم من المسلمين فردُّوا عليه، ولمَّا تجاوزهم قال أحدهم: إني أُبغض هذا في الله، فبلغه ذلك، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله: "فلِمَ تُبغضه؟" قال: أنا جاره وأنا به خابر، والله ما رأيتُه صلى صلاة قَط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البَر والفاجر. قال: سَلْه يا رسول الله هل رآني أخَّرتُها عن وقتها أو أسأتُ الركوع والسجود فيها؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا... وهكذا عن الصيام والصدقة.. فقال رسول الله[صلى الله عليه وسلم «قم إن أدري لعله خير منكٌ».
وهنا بيت القصيد، فلعل الذي يؤدي الفرائض بتمامها ولا يزيد، خير من المستكثر من النوافل لكنَّه سيء الظنِّ بأخيه المسلم.. ولَكَم أورث اختلالُ معايير الحكم على الناس فوقيةً لدى بعض "الملتزمين" عند تعاملهم مع غير الملتزمين، وكأنهم ضَمِنوا لأنفسهم النجاة وحُسن المآل!
فهذه التي لا تلتزم الجلباب وإنما الثياب الفضفاضة: ما أدرانا بالذي بينها وبين ربها؟ وما أدرانا بقَدْرها عنده سبحانه؟ .
وكذلك غير الملتحي.. وكذلك المُقِلُّون من الأعمال الظاهرة فضلًا عن غير الملتزمين بحركة أو تنظيم...
عندما نجعل "لعله خير منا" منهجًا لحياتنا ومعيارًا ننطلق منه في الحكم على المسلمين.. عندها فقط نستحق وصف: متديِّن.. ملتزم بمنهج الله ورسوله.
وعليه، فإنَّ قيادات الحركة الإسلامية بالدرجة الأولى معنية أن تجتهد في تعديل وتبليغ هذا المفهوم.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة