دكتوراه لغة عربية ودراسات إسلامية | لبنان
ويحدثونك عن الرق!
الرِّقُّ وصفٌ مكروه ينفر الناس منه... والعبودية للبشر يتناولها الكُتَّاب بالذمِّ و القدح... ولأن الإسلام دين واقعي فقد ألغى كل أسباب الرق، وأبقى وسيلة واحدة وهي معاملة الأعداء بالمثل إذا استرقُّوا أَسْرَانا في الحروب... والتفاتًا لأصل التكريم الآدمي؛ فقد أحاط الإسلام الرقَّ بمجموعة أحكام:
- يمنع ضربُ العبيد، فمَن ضرب عبده ضربناه، ومن جلده جلدناه، وكفَّارةُ الضرب أن يعتقه ليصير حرًّا...
- ينبغي للسيِّد أن لا يتميَّز عن عبده بلباس أو طعام...
- لا يجوز تكليف العبيد بأعمال شاقَّة...
- العِبرة في الإسلام للأعمال وليست للمكانة، وللعبد الصالح أَجْرٌ مضاعف عن أَجْرِ الحُّرِّ، وكم من عَبْدٍ هو أفضل عند الله من مليون حرٍّ نسيب...
- منع تسميتهم بالعبد والأمَة، بل ينادى: يا فتاي يا فتاتي... وخفَّف عنهم العقوبات، فجعل عقوبتهم نصف عقوبة الأحرار لو ارتكبوا جناية أو حَدًّا... ولأن الإسلام يتشوَّف للحرية دائمًا، فقد ندب الناس إلى العتق، وجعله وسيلة اقتحام العقبة، وكفَّارةً لليمين والظِّهارِ وقَتْلِ الخطأ... و هذا ما جعل الخلافة العثمانية تصدر مرسومًا سنة 1855م بإلغاء الرق قبل أن تلغيه أمريكا بعشر سنوات...
الغرب اليوم يمارس بحقِّنا ما هو أبشع من الرق بدَرَكات ودَرَكات... في الأشهر الماضية عُثر على شاب إيطالي في مصر مقتولًا وعليه آثار تعذيب، وإذ بالحكومة الإيطالية تهدد بعقوبات دبلوماسية، وأيّدها الاتحاد الأوروبي ذو الخمس وعشرين دولة في تحذير مصر من مغبة ضياع حق القتيل، وفرْضِ عقوبات اقتصادية، واعتبار مصر بلدًا غير آمن و... و... ولكنَّ الغرب نفسه أعمى عيونه عن أربعة آلاف مصري تمَّ قتلهم وحرقهم في ميداني رابعة والنهضة، والآلاف بعدهم، بأسلحة أوروبية وأمريكية... هؤلاء الآلاف كلهم لا يساوون إيطاليًّا واحدًا... لو كان هؤلاء حيوانات؛ لكانت صيحة العالم الغربي أقوى وأمنع... الغرب نفسه الذي شنّع إعدام داعش لصحفي أمريكي - يتوقع أنه جاسوس - وجعل يتبجح بحقوق الإنسان، هو نفسه الذي لم يعرف أن جزّار سوريا قتل ثلاثمائة ألف سوري أعزل، لأنهم طالبوا بكرامتهم المسلوبة منذ عقود... لو كان هؤلاء السوريون تماثيل حجرية في تدمر لتدخَّل العالم لحمايتهم... بل عمل الغرب جاهدًا على منْعِ تسلُّح الثوار، لتبقى البراميل تتساقط على الشعب كحبات المطر، والعالم يتفرج على مأساة التاريخ... كل جريمة قتلٍ في الشرق؛ فالغرب يتحمَّل وِزْرَها، وإنْ كان المنفِّذُ لها عميلًا شرقيًّا من عملائهم...
باختصار: لو كان الإسلام يحكم العالم - واعتبرنا الغرب كلَّه رقيقًا - لما رضينا أن يحصل معه عُشْر معشار ما رضيه الغرب لنا...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن