طبيبة مِخْبرية، حفيدة العالِم المجاهد الشيخ عزّ الدين القسّام رحمه اللَّه | لبنان
فقه الأولويات
إنَّه الشهر الأكثر ضغطًا هذا العام شهر أيار 2016م.. الواجبات أكثر من الأوقات!! نهاية العام الدراسي لأولادي، امتحانات وضغط دراسي، وهو الشهر الذي يسبق انتخابات البلدية أو بالأحرى سينتهي بها، وزوجي مرشح لرئاستها... ومن الصعب أن أتوازن في هذه الأيام؛ وقد تثاقلت عليَّ الظروف والزيارات والاستقبالات وتلبية المطالب وحلِّ المشاكل، وفي الوقت نفسه تحضير امتحانات لطلابي في الجامعة، بالإضافة إلى وظيفتي الأساسية في المستشفى. لماذا وصلت إلى هنا؟ أفكار بدأت تسحقني.. كيف سأستمر؟ كيف سأتمكَّن من التنسيق والترتيب؟... كيف؟ لا بدَّ من تنظيم وقتي... لا بدَّ من ترتيب الأولويات، لا بدَّ من التفويض.. وبدأت بالفعل برسم خارطة لأوقاتي التي تتسرب عبر جدران زمني.
وشيئًا فشيئًا بدأتُ باستعادة الرؤيا لهذا الشهر العصيب الحافل بالمفاجآت والالتزامات المرهقة. وفجأة يقطع ابني الصغير سلسلة أفكاري المتشابكة.. ليرسل بكل براءة هاتفًا ربانيًّا أيقظني من غفلتي.. إنَّه الأول من شعبان يا ماما.. متى سنبدأ الصيام؟ متى سنراجع حفظ القرآن؟ اقترب رمضان!
وشعرت بصفعة قاسية تصفع ذاكرتي وواقعي ولحظاتي، ونظرت إلى عينيه الصافيتين والفرحة تتدفق منهما، فضممته إلى صدري وفؤادي يبكي فرحًا لكلماته التي أيقظتني من سبات البعد عن الله، حزناً على نفسي التي أرهقتها مشاغل الدنيا، فأصبحت أسيرة لواجبات دنيوية شغلتني عن الاستعداد في شهر مبارك كريم، هو من أحبِّ الشهور إلى الله سبحانه، وفيه تُرفع الأعمال إليه استعدادًا لشهر رمضان؛ شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
وبدأت مع ولدي الحبيبب وضع خارطة زمنية ترسم بدقة أوقاتنا في شعبان ورمضان، وخارطة خطوطها من كتاب الله، وألوانها من فيض البركات والرحمات، وأريجها من عبق الخلوات والصدقات، وبالفعل شعرت بأنَّ كلَّ التوتُّر الذي كان ينتابني بدأ يتلاشى، وبأنَّ سعادة غامرة بدأت تتغلغل لذرات كياني... نعم إنها الرضا والتسليم بقدر الله، نعم إنها من فيض الأنوار القدسيَّة التي تحيط بشهر الصيام والقيام. فرق كبير أن تحيا لله وبذكر الله وتعمل لآخرة باقية؛ وبين أن تتحطم بمشاغل مرهقة فانية تبعدك عن أُنس الله وعفوه ورضاه..
إنها دعوة... إلى ترتيب أولوياتنا على نحوٍ تكون فيه أمور الآخرة تسبق أمور الدنيا... وتكون فيه أفضل الليالي (ليلة القدر).. تتقدم على كل الليالي.. وتكون فيه.. كل أوقاتنا.. تنتظم وتتناسق وتتناغم ... حبًّا في الله .. رجاءً في عفوه وخوفًا من عقابه..
فرق كبير أن تحيا لله وبذكر الله وتعمل لآخرة باقية؛ وبين أن تتحطم بمشاغل مرهقة فانية تبعدك عن أُنس الله وعفوه ورضاه.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة