القهوة في زمن الثورة
كتب بواسطة إيمان محمد
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
2291 مشاهدة
القهوة كانت لها طقوسها في سورية قبل الثورة، وهي لدى المرأة خاصة ذات مكانة وحظوة، فهي مرتبطة باللقاءات مع العائلة والصديقات، ومع كل رشفة من فنجانها هناك بسمة أو حكاية مشوقة أو لغز أو ضحكة.
ومع قدوم الثورة، وما واكبها من إجرام النظام وويلاته، تكسرت فناجين قهوة كثيرة تحت أنقاض الأبنية، وتكسرت داخلها ذكريات شتى لنساء كن يحتفين بها، ويبالغن في اختيار شكل الفنجان ولونه ونقوشه، فهو واجهة البيت، ومفتاح شخصية سيدته، أو حامل تراث العائلة ومدى غناها أو فقرها أو مدى أصالتها أو مدى تأثرها بالتراث أو بالقوالب الحديثة.
أجمل فناجين قهوة رأيتها في حياتي عندما زرت حي القصور بعد قصفه وتهديمه، دخلت إلى بيت مدمر بالكامل، ولم يصمد منه سوى سلّة الأطباق قرب حوض غسيل الأطباق، وفي داخله فناجين القهوة مصفوفة بعناية، وكأنها وضعت للتو، لم تتحطم، ولم ينلها أذى، كانت واجمة وكأنها تنتظر اليد السحرية لتلمسها، لتنطق بمدى الكارثة التي حلّت، فأبعدت أهل البيت عنه، وجعلت الأشياء تفتقد لمن كانوا يعطونها القيمة.
عندما حل الحصار، ظلت لفناجين القهوة حظوتها وقيمتها، وظلت النساء تجتمعن تحت شعار فنجان قهوة، حتى وإن لم تكن هنالك قهوة أصلاً، أو استعضن عنها بالشاي الرديء الذي يشربنه مرغمات كونه الوحيد المتوفر والذي لا غنى عن تناوله كونه يوزع في سلة الإغاثة، فكان الاجتماع تحت شعار فنجان قهوة، التفاصيل ذاتها، الضحكات والأسرار، وقليل جداً من الحزن رغم ألم الحصار، وبوح ممزوج بحس المرح والدعابة، وخمس سنوات من الثورة، والمرأة السورية متمسكة بقهوتها، ينعشها مجرد العبور على فنجان قهوة، ففخامة الاسم تكفي، وإن كانت قد تجرعت كثيراً من فناجين القهوة المرة في مجالس عزاء الشهداء، إلا أنها ظلت تحتفي بالقهوة، مكابرة أن تربطها بالحزن، تجدها مناسبة فرح، وإن كان الواقع بلون القهوة، إلا أن مزيج القهوة والمرأة يعطي نكهة الانتعاش والتجدد دائماً، ليكون هذا الفنجان المقدس الذي يعطي المرأة تلك القوة العجيبة على مواصلة الحياة بمرارتها وصعوبتها، وكل الأحداث المروعة التي تمر بها، لتقابل ذلك كله بصبر غير محدود وتفاؤل وتجدد، وكيف لا تفعل وهي تعرف كيف تسري عن نفسها، وتروح عنها العبء على طريقتها الخاصة، هي لا تحتاج قارئة للفنجان، فقد باتت تقرأ واقعها بحذق، لا تريد من ينجم ولا من يعدها بفأل سعيد وحظ موفق، فهي التي تعلمت كيف تقتلع الشوك بيديها، وكيف تخيط جراحها في صمت وروية، وكيف تنسج الفجر من مستقبل تطمح إليه بهمتها وعرق جبينها. هي فقط تحتاج لفنجان قهوة متوج بالبوح وإن كان فارغاً، لتزيح بعض الهموم في اللقاءات القصيرة، ليكون لغزاً ومعنى شيئاً مما يعيد لها القوة بمن يساندها من خلاله، في الأيام والليالي التي تحتاج إلى صحبة تعين وتنصت وتتعاطف وتتفهم وتنتقي ما يقوي العزيمة ومن يشاطر الهم، لتتابع مشوار الحياة بهمة وعزيمة.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا