حين يحصد الصهاينة نتائج الحريق في المنطقة
ثمة مزاج لا تخطئه العين يبدو متوفرًا في بعض الأوساط العربية، يميل إلى تفاهمات مع الكيان الصهيوني (التسوية صعبة بسبب سقف المطالب الإسرائيلية)، وبالطبع بدعوى التفرغ للخطر الإيراني، في حين يذهب السيسي في ذات الاتجاه (زيارة شكري بالأمس لتل أبيب بداية عملية تفاوضية ومسيرة تطبيع)، ليس من أجل التصدي للخطر الإيراني، وإنما من أجل الحصول على الدعم الأميركي، والمزيد من الشرعية التي يمكن للصهاينة أن يوفروها بطرقهم المعروفة.
دعك هنا من الهواجس المتعلقة بالأمن وسيناء، وحاجته إلى تعاون الكيان على هذا الصعيد، وما يثير القهر أن ذلك يحدث رغم العبث الإسرائيلي بالمجال الحيوي لمصر، كما تبدّى بشكل واضح في الجولة الإفريقية لنتنياهو، التي زار خلالها أربع دول (دول النيل)، والتقى سبعة زعماء أفارقة (هل سيتوسط نتنياهو بينه وبين إثيوبيا؟!).
في الجانب التركي تمت الصفقة بين أنقرة وتل أبيب، والتي تحدثنا عنها سابقًا، وإن بقي الصهاينة على شكهم التقليدي في أردوغان، ومن ثمّ تآمرهم ضده.
نأتي هنا إلى المعسكر الإيراني، وعلى هذا الصعيد تتواصل الخطابة ضد أميركا والكيان الصهيوني، لكن في الواقع العملي تبدو الهدنة هي العنوان، ليس فقط مع الأمريكان، الذين قاتل سليماني وسيقاتل في العراق تحت أزيز طائراتهم؛ بل أيضا مع الكيان الصهيوني، الذي يراقب محافظو إيران وتوابعهم كيف يحمي بوتين مصالحه في سوريا دون أن ينبسوا ببنت شفة، ولا ننسى أن المقاومة بالنسبة لحزب الله لم تعد سوى شعار للمتاجرة، وكذلك للاستخدام في الداخل اللبناني، بينما الهدنة الدائمة هي العنوان الحقيقي.
كل ذلك، وما زلنا في السياق الإيراني في حضرة السادة المحافظين الذين لا يملكون غير استمرار الخطابة ضد أميركا والصهاينة، لأن تلك بضاعتهم التي تاجروا بها طوال ثلاثة عقود، لكن الالتفات يسارًا نحو الإصلاحيين الذين يتقدمون أكثر فأكثر في الداخل سيفاجئنا باستعداد أكبر للمصالحة مع أميركا والكيان، مقابل أثمان معينة على صعيد الاقتصاد والنفوذ، مع العلم أن التنافس مع الإصلاحيين هو الهاجس الأكبر لاستمرار مغامرة المحافظين، وبالطبع لأن الاعتراف بالفشل سيكون مكلفًا في الداخل أمام الشارع.
هكذا يحصد الصهاينة نتائج الحريق الذي اشتعل في المنطقة، بينما تبدو الشعوب -بما في ذلك الشعب الإيراني فضلًا عن شيعة العرب الذين التحقوا بركب إيران- هم الخاسر الأكبر، ومعهم القضية الفلسطينية التي استُخدمت مبررًا لوقوف إيران بجانب بشار، وهي الوقفة التي وجَّهت طعنة نجلاء لمسيرة الربيع العربي، وقدَّمت هدية ثمينة لقوى الثورة المضادة العربية لكي تكمل عملية إجهاضها.
كل ذلك، لا يعني أن الأنظمة مرتاحة، فهي تنزف أيضًا، بما فيها محافظو إيران، ولا مجال تبعًا لذلك إلا العودة إلى العقل والرشد، والجلوس لتسوية جميع الملفات، فلا إيران قادرة على مواصلة النزيف واستعداء غالبية الأمة، ولا الأنظمة العربية قادرة على ذلك، ولا تركيا أيضًا، ومن مصلحة الجميع أن يجلسوا لتسوية الصراع، من دون تدخلات أجنبية، بدل أن تُترك سوريا لأميركا وروسيا، كأننا في زمن الحرب الباردة.
لسنا متفائلين كثيرًا بقرب تسوية من هذا النوع، لكننا متأكدون في المقابل أنها ستحدث، والعقل الراشد هو من سيقصر أمد النزيف بدل إطالته. أين هو ذاك؟ إنه السؤال الأكبر.
المصدر : الدرر الشامية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة