إخصائية تغذية وكاتبة اجتماعية ومهتمة بقضايا الشابات
هل تؤثر الأجهزة الذكية سلبا على أدمغة أبنائنا؟
كتب بواسطة أفنان الحلو
التاريخ:
فى : زينة الحياة
2491 مشاهدة
لا شك أن البعض منكم لاحظ ازدياد عدد الأطفال الذين يعانون من التوحد وطيف التوحد، أو من صعوبات التعلم، أو يتأخرون في الكلام برغم بلوغهم عامهم الرابع من العمر. وفي قفص الاتهام وضعت العديد من العوامل مثل تعريض الطفل في سن مبكرة لمشاهدة التلفاز فترات طويلة، وبالذات قنوات أناشيد الأطفال التي تتميز بإيقاع سريع وصور أسرع، والبعض الآخر ألقى بلائحة الاتهام على المطاعيم، والآخر قال إن السبب هو نشوء الطفل في بيئة منعزلة لا يختلط فيها مع أطفال آخرين وبالتالي لا يبني أي روابط عقلية.
.
والآن برز متهم جديد على الساحة؛ وهي الأجهزة الذكية.. المتمثلة في الهواتف الذكية والتابلت.. بما لها من سحر كبير على الأطفال، حتى أولئك الذين لم يتعدوا العام الأول من عمرهم، وميلهم الفطري إلى الجلوس عليها أطول وقت ممكن، يبرز السؤال:
هل لهذه الأجهزة الذكية تأثير سلبي على أدمغة الأبناء؟
.
لا أحد يتحدث عن السماح للطفل باللعب بمثل هذه الأجهزة فترات قصيرة يوميا، لا تتعدى الساعة إلى الساعتين. ويشمل هذا مشاهدة التلفاز، أي أن مجموع التعريض للأجهزة لا يجب أن يتجاوز الساعتين يوميا. وعلى الأهل أن يسمحوا لابنهم أن يقضي نهاره في اللعب والاستكشاف حتى إذا أدى ذلك إلى إثارة بعض الفوضى في محيط غرفته. إذ يميل الأهل بشكل أساسي إلى السماح لأبنائهم باللعب بهذه الأجهزة طلبا لبعض الوقت من الهدوء كي ينجزوا أعمالهم، في أقل فوضى ممكنة. ففي حال السماح للطفل باللعب العادي، فإن الأم لا تنتهي من عمل المطبخ مثلا إلا وقد وجدت البيت عائما بالألعاب والفوضى. أما الأجهزة الذكية فهي تجعل الطفل يقضي وقتا ممتعا بالنسبة له، نظيفا بالنسبة للأم!
.
في دراسة نشرت في مجلة Pediatrics، وقد قام بها باحثون في جامعة بوسطن الأمريكية، فقد قالت إن تأثير الأجهزة الذكية على أدمغة الأطفال في عمر ما قبل المدرسة يرتبط أساسا بالفترة الزمنية التي يسمح لهم باللعب بها، والتأثير الأساسي الذي سوف يعاني منه الطفل في حال فرط اللعب بالأجهزة الذكية هو تدني مستوى التطور الاجتماعي – العاطفي لديه.
.
بالنسبة للناحية العاطفية، فإذا شعرت الأم والطفل معا بأن الوسيلة الوحيدة لتهدئته وجذب انتباهه هو اللعب بهذه الأجهزة، إذن كيف يستطيع الطفل لاحقا أن يطور مهارات للتحكم بنوبات الغضب والحزن والضيق ومختلف المشاعر السلبية، بعيدا عن هذه الأجهزة؟ أصبح وجودها بالنسبة له مرتبطا بالأمان العاطفي له وللأم على حد سواء.
.
في حين قد يساعد الجهاز الذكي على تعليم الأطفال اللغة والرياضيات البسيطة في حالات محدودة، من ضمنها الأطفال المصابون بالتوحد والذين يعجزون عن التواصل بشكل مباشر مع العالم، لكنها بشكل عام تفعل العكس؛ إذ تعيق تكون المهارات التي يحتاجها الطفل لتعلم اللغة والرياضيات في عمر أكبر!
.
لا أحد من الأبوين يتوقع أن لعب الطفل بألعاب التركيب التقليدية مثلا، هي أحد وسائل تطوير مهارات الرياضيات لديه لاحقا!
.
الجلوس الطويل على الأجهزة الذكية، يمنع بشكل أساسي التواصل مع بقية أفراد العائلة. هذا التواصل يعلّم الطفل مهارات اللغة، وحل المشكلات، ومهارة العمل ضمن فريق (العائلة). وبهذه الطريقة تتكون الروابط العصبية الدماغية الهامة لنمو عقلي سليم وتعلم جيد في المدارس.
.
في دراسة أخرى قام بها د.جراي Dr. Gary Smallوهو باحث في مجال الذاكرة والشيخوخة، فقد قام باختيار فئة عشوائية تم تقسيمها إلى فئتين: فئة لا تستخدم التكنولوجيا إلا في ابسط الأحوال، وفئة أخرى تستخدمها بكثافة كهواية أو كطبيعة عمل. قام بتصوير الأدمغة خلال تعريض هاتين الفئتين إلى تجربتين: تجربة القراءة، وقد لوحظ نشاطا عاديا للدماغ في المجموعتين. والتجربة الثانية هو استخدام الأجهزة الالكترونية. فئة التقنيين أظهرت نشاطا دماغيا فائقا للمنطقة اليسرى الأمامية من الدماغ وهي ما تسمى بـ dorsolateral prefrontal cortex، وهي المسؤولة عن الذاكرة بشكل رئيسي وتنسيق وظائف الدماغ المختلفة أثناء عمليات التعلم، أما الفئة قليلة الاستخدام للتقنية فقد أظهرت نشاطا محدودا لهذه المنطقة أو معدوما.
.
هذا النشاط المتضخم كان مؤشر خطر بالنسبة للد. جراي، فهو يعني أن الدماغ بدأ يحد من الاستجابة لطرق التعلم العادية التقليدية، مثل القراءة والكتابة والقدرة على التركيز ومخالطة الآخرين، ويفتح الباب للاستجابة من خلال الأجهزة الذكية فقط. قائلا إن أدمغة الأطفال والمراهقين لا تحتاج إلا لعدة أيام فقط من التعرض المطول للأجهزة الذكية، كي يصبح في مثل هذه الحالة التي وجد عليها التقنيين.
.
ومع ذلك، ونظرا لأن الأجهزة الذكية لم تظهر إلا منذ وقت قصير نسبيا، فإن الدراسات عن أثرها على الدماغ تبقى محدودة وغير كافية. إلا أن جميع الخبراء والمربين، يوصون الأهل بالصبر على أبنائهم، والتواصل الفعال معهم، وعدم السماح لهم بالتعرض لهذه الأجهزة فترات طويلة من الزمن، وإلا حدث ما لا يحمد عقباه وعانى الأهل في سبيل إصلاح الضرر الناجم من هذه الأجهزة أضعافا مضاعفة مما كانوا سيعانوه لترتيب الفوضى التي قد يحدثها الطفل أثناء اللعب.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
السلام عليكم مقال مفيد جزاكِ الله خيرا