بكالوريُس كيمياء
رب ارجعون
هكذا هي الحياة، ظلام ينذر بالنُّور وحزن يبشِّر بالفرح، وخيبة تلِد الأمل، وعُسرٌ يليه يُسر، وقد استسغناها برجاء الله ودعائه بالفرج والخير، إذ وعدَنا العزيز في مُحكم كتابه لمَّا قال: (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
فكم من مرَّة نُخطئ ونخسر لكننا بطموحنا ونظرتنا المستقبلية للأمور؛ نعيد أحلامنا، كما وأننا لا نستصعب أيَّ أمر مهما عظُم، لأنَّ وكيلنا الله الذي لا يعجزه أمر في الأرض ولا في السماء، نرجوه دائماً أن يدفع حياتنا للأمام وأن يرفعنا، ولكن ماذا لو تمنينا يوماً أن نرجع للوراء؟ وأن ندعوه ربنا.. فيقول لنا: كلَّا.. عندها نتيقن أنَّ الدعاء عقيم وأنَّ الأوان قد فات....... فلنستشعر سويّاً هذه الآية العظيمة: (قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).
الرَّبُّ الأكرم يرفض الدعاء والرجاء؟! فلماذا؟.
ذلك بأنَّنا علِمنا الكثير الكثير لكنَّنا ما عملنا به.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن الله هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، وأنه هو خير الحافظين، ورحنا نشرك به فنطلب المَدد والرِّعاية والوصال من عبيده ولم نكترث لعظمته وقدرته.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ورحنا نؤجِّلها بل ولا نؤديها ونُؤثِر عليها كل رغباتنا، وكم من مرة خجلنا من إظهار إقامتها أمام مدرائنا.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن القرآن هو كتاب الله وأنزله على عبده ليخرجنا من الظلمات إلى النور، وأنَّ كل من قرأ حرفاً منه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ولم نهتمَّ بقراءته بل انهمكنا وشقينا في متابعة أخبار الجرائد والمجلات.
لأنَّنا كنَّا نعلم أنَّنا إذا قُلنا: «سبحان الله وبحمده» في اليوم مئة مرة؛ حُطَّت خطايانا وإن كانت مثل زَبَد البحر، ومرَّت الأيام والليالي وألسنتُنا لم تهدأ من الثَّرثرة والفضفضة والغيبة والنميمة.
لأنَّنا كنَّا نعلم أنَّ ركعتي الضحى تُجزئ عن صدقة 360 سُلامى، وتمرُّ السُّنون ونحن نعمل في مطابخنا ومكاتبنا ثم نقول لمَّا يُؤذَّن للظهر: يا الله لم يكن لنا نصيبٌ في تأديتها، والحقيقة أنَّنا كنَّا منكبِّين على حطام الدنيا.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن صيام يوم في سبيل الله تطوعاً يباعد الله وجهنا عن النار 70 خريفاً ولم نصم؛ بل وكم تضايقنا من شهر رمضان وتذمَّرنا وساءت أخلاقنا.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن الساعي على الأيتام والأرامل كالمجاهد في سبيل الله وكصائم النهار الذي لا يفطر وكقائم الليل الذي لا ينام ولم نساهم؛ بل نظرنا لأنفسنا دائماً أنَّنا المساكين والفقراء، ووحدنا من يستحق الشفقة متناسين رحمة الله وفضله ونعمته.
لأنَّنا كنَّا نعلم أن الحجَّ المبرور جزاؤه الجنة وأجره أن يرجع الحاج كيوم ولدته أمه ولم نقصد السفر للحج؛ بل وعشقناه للعمل والسياحة والترفيه.
لأنَّنا نعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وأن النبي الأعظم وصحابته لم يفرِّطوا فيه وهم القائمون على أمور عيشهم وعيش غيرهم، ونحن نسهر للَّعب والفكاهة والدرس والعمل ولم نجرِّبها مرَّة لوجه الله تعالى خالصة.
لأنَّنا نعلم أن من بنى مسجداً ولو كعُش الطائر بنى الله له بيتا في الجنة، ونحن نسارع ونكدح في تزيين البيوت بل ورفع الأبراج.
ويا ليتنا نعلم أنَّنا لا نعلم شيئاً... ولا قيمة لعلمنا إن لم نتبعه ونرفقه بالعمل الدؤوب المتواصل الخالص لوجه الله، ولنحفظ أعمارنا بحسن أعمالنا، ولنعمل ليومٍ لا رجعة فيه ولا ينفع فيه ندم ولا توبة ولا أَوبة، ولنسأله دائماً سبحانه العفو والعافية والرحمة في الدنيا والآخرة.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة