حالة العرب
لم تعد اجتماعات القمة العربية تخلق الحدث. واجتماعاتها أصبحت فقط من أجل رفع العتب على الدول التي باتت دكتاتورية. حروف الأبجدية العربية تضعها أمام حرج انعقاد القمة العربية مرة كل سنة. في السنة الماضية رفع المغرب، الذي يحظر ملكه قمة عمان بعد غياب دام اثنى عشر سنة عن مثل هذه المناسبة، حالة الحرج واعتذر في بيان مطول عن تنظيم القمة التي كان مفروضا أن تلتئم في بلده طبقا لترتيب حروف الأبجدية العربية، وهو ما جعل قمة العام الماضي تٌنقل إلى موريتانيا لتعقد تحت خيمة.
ومما جاء في البيان المغربي آنذاك، أن القمم العربية تحولت إلى مجرد مناسبة للاجتماع من أجل الاجتماع، وإلقاء "خطب تعطي انطباعا خاطئا عن الوحدة والتضامن بين دول العالم العربي". وبعد مرور سنة على البيان المغربي، لم تتغير أشياء كثيرة، فالواقع العربي يزداد سوءا سنة بعد أخرى. ومن بين 22 دولة عربية ممثلة داخل الجامعة هناك أربع دول انهارت فيها الدولة المركزية وباتت تمثل نموذجا للدول الفاشلة وهي ليبيا، واليمن، وسوريا، والصومال، ودولة تشهد حربا طاحنة تهدد كيانها هي العراق. ودولة مثل السودان يقودها رئيس مطلوب دوليا بدعوى تورطه في جرائم حرب. ودولة مثل الجزائر يسيرها رئيس مٌعقد لم يخاطب شعبه مباشرة منذ 2014. أما باقي الدول العربية فهي إما خاضعة لأنظمة استبدادية جاثمة على صدور شعوبها أو أنظمة فاسدة أهلكت الزرع والضرع.
يوم 25 مارس / أذار الجاري احتفلت دول الإتحاد الأوروبي السبعة والعشرين بالذكرى الستين لقيام اتحادهم. وللتذكير فهذا الإتحاد بدأ بسوق مشتركة مصغر بين ستة دول أوروبية سميت بمجموعة "الحديد والصلب" لرعاية مصالح هذه الدول من هذه المواد التي كانت تحتاج إليها في فترة إعادة البناء بعد خروجها من حرب عالمية مدمرة. وتدريجيا تم بناء الإتحاد لبنة لبنة حتى أصبح اليوم أكبر سوق اقتصادية قوية يناهز عدد المستهلكين فيها نصف مليار نسمة، وبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد دوله 16.2 تريليون دولار أمريكي، العام الماضي.
قوة الإتحاد الأوروبي لا تتجلى فقط في قوة اقتصاد دوله ولا في دخل مواطنيه، وإنما في القيم التي قام عليها هذا الاتحاد، وهي قيم الحرية الاقتصادية، وحرية التعبير، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان. عمر الجامعة العربية، التي تأسست يوم 22 مارس/ أذار عام 1945، أكبر بعقد ونيف من عمر "الإتحاد الأوروبي"، وبالرغم من أنها تضم اليوم زهاء 400 ألف نسمة، إلا أن إجمالي الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة بالكاد يناهز 2.7 ترليون دولار سنويا. وحسب إحصاءات رسمية نشرت العام الماضي فإن ربع سكان الدول العربية، أي ما يناهز مائة مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.
أسباب تخلف العديد من الدول العربية، وفشل بعضها، والحروب الأهلية التي تأكل البعض الآخر، راجع بالأساس إلى استشراء الفساد، وانتشار الأمية، وعدم التوزيع العادل للثروات داخل هذه الدول.
وبكلمة واحدة فإن سبب تقدم دول الإتحاد الأوروبي، وتخلف وانهيار دول الجامعة العربية، يعود إلى غياب الديمقراطية في بلدانها. فمن العيب أن يكون الرئيس الوحيد المنتخب بطريقة ديمقراطية، الذي سيحضر قمة عمان، هو الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
استمرار الفشل العربي ناتج عن ثلاثة أسباب رئيسية يمكن إيجازها في الآتي:
- تركيز الجامعة على ما هو سياسي منذ تأسيسها، حتى تحولت قممها إلى سوق عكاظ لنشر غسيل الخلافات العربية العربية. وبالمقابل إهمال الجانب الاقتصادي والاجتماعي بالرغم من وجود العديد من آليات العمل الجماعي، التي تستنفذ مزانية الجامعة، والقرارات الاقتصادية التي بقيت حتى اليوم مجرد حبر على ورق.
- عدم وجود قدرة على النقد الذاتي، فبالرغم من استمرار الفشل، واعتراف الجميع به، فلا أحد يجرأ على الدعوة إلى وقفة مع الذات من أجل إعادة النظر في آليات اشتغال العمل العربي المشترك.
- غياب أو تغييب الشعوب العربية عن العمل العربي المشترك. فالجامعة في نظر الكثيرين اليوم هي مجرد إدارة ضخمة لأنظمة رسمية، أغلبها لا تمثل شعوبها.
إن أي نقد ذاتي لحالة العرب اليوم يجب أن تبدأ بالتشخيص الدقيق والشجاع لوضعهم المزري، وبطرح الأسئلة "الطابو" التي ظلت مغيبة في القمم العربية من قبيل المسألة الديمقراطية، والحريات، واحترام حقوق الإنسان، والاعتراف بحقوق الأقليات الدينية والعرقية واللغوية..
لا يمكن بناء الوحدة إلا من خلال الاعتراف بالتعدد والتنوع والاختلاف، والحال أن في المنطقة توجد أقليات وطوائف متعددة وإثنيات وأعراق مختلفة ولغات ولهجات كثيرة غير العربية وأناس يدينون بديانات متنوعة.. نفس هذه الفسيفساء موجودة داخل دول الاتحاد الأوروبي، وهي التي تشكل أحد مصادر قوته وافتخاره ونجاحه، لكنها في الجانب العربي غير معترف به من قبل الجامعة العربية، ولا أدل على ذلك من اسمها الذي يقصي لغات وإثنيات شعوب تنتمي إلى نفس الدول وتمثل جزءا من تاريخها وماضيها وحاضرها، إن لم يكن الجزء الأهم والأصلي.. لكنها مٌغيبة عن كل القرارات الرسمية التي ترهن حاضرها ومستقبلها!
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن