الفصح اليهودي
يحمل هذا العام في طياته الكثير للمسجد الأقصى المبارك، فالمتطرفون الصهاينة وجماعات المعبد المتطرفة باتت تدرك أن الوقت لم يعد في صالحها وإنما في صالح أمتنا، ولذلك تجد هذه الحملة المسعورة لتهويد المسجد الأقصى المبارك واستغلال أي مساحة ممكنة من مواسم الأعياد اليهودية لتحويلها لمواسم اقتحام للمسجد سعياً لإقرار واقع جديد يتمثل في "تطبيع" الوجود اليهودي في أرض المسجد الأقصى المبارك بحيث يصبح هذا الوجود هو الأصل وليس الاستثناء، وهذا العام عند هذه الجماعات لابد من أن يتم فيه إتمام خطوة "التطبيع" هذه سعياً للتوسع في العام القادم أو الذي يليه على أكبر تقدير نحو استقطاع جزء من ساحات المسجد الأقصى المبارك وتخصيصها لليهود بشكل دائم.
قلنا إن هؤلاء المتطرفين يدركون أن الوقت لم يعد في صالحهم لأنهم يعلمون أن العالم اليوم في ذروة الانشغال عن القدس وعن المسجد الأقصى المبارك مع قدوم إدارةٍ أمريكية بالغة التطرف والعدوانية تجاه الحق العربي والإسلامي في القدس، وفي ظل غيبوبة عربية رسمية كاملة جعلت جزءاً لا بأس به من المستوى الرسمي العربي يرى في قضية المسجد الأقصى المبارك والقدس عبئاً يتمنى الراحة منه، خاصة مع ظهور تلك الأصوات الإعلامية العربية النشاز التي باتت تقارن بين "الإنسانية" الصهيونية والوحشية التي يبديها النظام السوري وغيره في قتل وتشريد آلاف من أبناء هذه الأمة.
في ظل هذه الأوضاع لم يعد لنا أمل بعد الله إلا في شعبنا في القدس والداخل الفلسطيني ليعمل على تأخير هذا الهجوم الصهيوني العاتي ضد #المسجد_الأقصى المبارك، فقدر هذا الشعب أن يكون في الخندق الأول دفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك دون التفاتٍ لمن خذله على المستويات الرسمية العربية أو من تآمر عليه على المستوى العالمي.
في هذه الفترة الحرجة يبدأ عيد الفصح اليهودي، أحد أعتى وأصعب المواسم التي تمر سنوياً على المسجد الأقصى المبارك، والتي يعاني فيها المسجد من هجمات الاحتلال الممنهجة والتي تستهدف تأكيد الوجود اليهودي في الأقصى بالقوة، وبدعم حكومي صهيوني كامل.
هذا العيد التوراتي يمثل في العقيدة اليهودية تخليداً لذكرى خروج بني إسرائيل من مصر ونجاتهم من العبودية هناك، ويمتد الموسم ثمانية أيام يسبقها يوم يسمى (يوم الأبكار) الذي يسبق يوم العيد الأول، ويبدأ هذا الموسم من غروب شمس يوم الأبكار ويستمر الأيام الثمانية وينتهي مع غروب شمس اليوم الثامن، ويشتهر هذا الموسم لدى اليهود بأكل الفطير غير المخمر كما ورد في أسفار التوراة. وبحسب التقويم العبري القمري ينبغي أن يبدأ هذا العيد في منتصف شهر "نيسان" العبري، وهذا يعني هذا العام أن يوم الأبكار سيكون يوم الإثنين 10/4/2017م، ويبدأ العيد مع غروب شمس ذلك اليوم، ويستمر حتى يوم 18/4/2017م. ومن الخطير ملاحظة أن يوم الأبكار الذي يسبق بداية العيد هو يوم ينبغي فيه تقديم قرابين في القدس، وتحاول الجماعات المتطرفة تنفيذها داخل المسجد الأقصى المبارك باعتباره المكان الطبيعي – حسب رؤية هذه الجماعات – لتقديم القرابين. ويعد هذا العيد واحداً من مواسم الحج اليهودية السنوية الثلاثة الكبرى لما يسمونه "جبل المعبد" قاصدين به المسجد الأقصى، وتكون ذروة الاقتحامات الصهيونية في الأيام من الثاني حتى السادس من هذا العيد، وهذه الأيام الخمسة تكون من أشد وأصعب الأيام على المسجد الأقصى المبارك، حيث تسعى حكومة الاحتلال الصهيوني لجعل الاقتحام الصهيوني للمسجد الأقصى المبارك حقيقةً وفرضاً واقعاً لا يناقش فيه أحد، وهو ما كان الإرهابي بنيامين نتنياهو يعنيه عندما تكلم عن الحفاظ على "الوضع القائم" لا المعنى السياسي الحقيقي الذي يشير إلى ما كان قبل عام 1967م.
في هذا العيد ستقوم جماعات المعبد المتطرفة ببذكل كل جهودها لتنفيذ طقوس "الحج الجماعي" داخل المسجد الأقصى المبارك، وستقوم باستنفاذ كافة السبل لتنفيذ طقوس القرابين داخل ساحات المسجد الأقصى، كما ستحاول بكل طاقتها تنفيذ طقوس "بركات الكهنة" في اليوم الثالث لهذا العيد داخل المسجد الأقصى المبارك أيضاً.
إن هذه الجماعات الصهيونية المتطرفة لم تعد اليوم مجرد جماعات محدودة في ظل الاحتلال، بل أصبحت تمثل فعلياً حكومة الاحتلال، فهي تمتلك نواباً في الكنيست الصهيوني، ولهم وزراء يدعمونهم بكل قوتهم، ولذلك فإن الأمور في هذه الفترة وما يليها لن تكون كما اعتاد أهلنا في القدس، أي منع هؤلاء من قبل الشرطة والحكومة الصهيونية، فالحكومة معهم، والشرطة أصبح واجبها حماية اقتحاماتهم وتأمينها ولو بالقوة! وهذا يضع شعبنا الفلسطيني في القدس وفي داخل فلسطين كلها أمام خيار واحد لا ثاني له: وهو التصعيد الشعبي العارم الذي يمكن أن نسميه "انتفاضة رباط" في المسجد الأقصى المبارك، ودولة الاحتلال تعي تماماً مفهوم الرباط والصمود داخل المسجد الأقصى المبارك، ولذلك فإنها تحاول إبعاد من يمكنها إبعاده من المرابطين من المسجد ومنع أهلنا من الدخول للمسجد، وهذا يستلزم عدم الركون لقرارات الإبعاد الصهيونية خوفاً من "المشاكل"، بل تحدي هذه القرارات، والانتفاض ضد الاحتلال في كل أرجاء مدينة القدس، #ثورة_الرباط في #القدس يمكنها وحدها أن تخيف الاحتلال الصهيوني الذي يحاول جاهداً منع أي تحرك جماهيري جماعي من هذا النوع، وهذا وحده هو الكفيل بتراجع الاحتلال وتأجيل مخططاته، فالوقت كلما طال صار في صالحنا لا في صالحه، وليس اليوم كالأمس.
لابد لشعبنا وأهلنا في القدس وفي الداخل أن يتفرغوا هذه الفترة للمسجد الأقصى المبارك ويرابطوا فيه بأعداد كبيرة ويحركوا الشارع ضد هذا الاحتلال الغاشم، ولابد من أن يعرف الصهاينة أن ثمن الهجوم على المسجد الأقصى المبارك مرتفع جداً بأكثر مما تسمح به طاقتهم، وهذا هو السبيل الوحيد لحماية المسجد الأقصى المبارك في اللحظة الراهنة.
يا أهلنا في القدس: قد استأمنكم ربكم على المسجد الأقصى، وأنتم من دون الناس حراسه وسدنته.. فلا تنتظروا غيركم.. وقوموا ضد من يحاول انتهاك قدسيته، وليعلم الاحتلال الصهيوني معدنكم المقدسي الأصيل.. فهو لا يتعلم الدروس إلا بالقوة.
د. عبدالله معروف
أستاذ دراسات بيت المقدس
مسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى المبارك
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن