إخصائية تغذية وكاتبة اجتماعية ومهتمة بقضايا الشابات
لحم مرّ
لا يحب أحد أن يُخدع، لكن ماذا لو تحوَّل الأمر إلى وسواس، بحيث يعتقد المرء أن جميع الناس في العالم خرجوا للظَفَر به؟ وأنهم أوغاد معدومي الضمير ويجب أن يُثبِت لهم أنَّ لحمه مرّ؟
سأركِّز على مثال واحد في هذا المقال.
عادة (المفاصلة) عند الناس..
لدى الكثير من الأشخاص _ بالذات الجنس الناعم _ شعور أن البائع لص يسعى للسيطرة على ما في جيبها من مال، وأنها لو ذهبت للسوق الفلاني لوجدت نفس البضاعة بسعر أقل.
لو كانت البلوزة قبل التنزيلات بعشرين ديناراً وبعدها بخمسة دنانير، لطلبتها بدينارين ونصف، فالبائع _ الوغد _ ما كان ليعرضها بخمسة دنانير لولا أنه يربح من هذه الخمسة أيضاً...
ماذا لو جعلتُ البائع يربح؟
لقد تعب حتى فتح المحل ودفع الأجور والضرائب وشحن البضاعة ووقف على مئات التفاصيل التي لولاها لما وصلت هذه البضاعة إلى يدي، فماذا لو ربح في مقابل التعب هذا كله؟ فقط فليكن هذا الربح في مستوى قدرتي..
لذلك عادة يجري هذا الحوار بيني وبين البائع:
- هل تريدين معرفة سعرٍ واحدٍ أختي أم تريدين المفاصلة؟
- سعر واحد من فضلك، لا مشكلة إن لم يناسبني سأخرج وأبحث عن واحد آخر مناسب لميزانيتي، لا تقلق. (أكون مُسبقاً وضعت ثمناً مناسباً لهذه القطعة في عقلي بناء على خامتها وأوضاع السوق الحالية).
- حقيقة هذا الجلباب بخمس وسبعين ديناراً، لكن لأننا في نهاية الموسم يكفيني منك خمس وخمسون ديناراً.
- ميزانيتي لا تسمح بشراء جلباب أكثر من أربعين ديناراً، أبتسم في صمت وأُلملم أغراضي.
- ماذا؟ ألم يعجبك السعر؟
- لا، ميزانيتي أقل بكثير..
- سأخسر لو بعته لك بأقل من ذلك.
- بابتسامة صادقة أقول: أنا لا أريد منك أن تخسر، أتعاطف مع البائعين، لكن في نفس الوقت لدي ميزانيتي، لذلك كما وعدتك فقط سأخرج وأبحث عن جلباب يناسب مافي جيبي.
طبعاً في 99% من الحالات يُصدم البائع من هذا الأسلوب في التعامل الذي لم يعتد عليه، ويقرِّر أن يعطيني إياه بثمن الأربعين ديناراً، لكن بدون ضغط من طرفي إطلاقاً، وفعلاً أكون صادقة بأن أخرج وأبحث عن غيره في حال لم يناسبه. هناك من التجار من هو (على قد حاله) ويجاهد كل شهر لإيجاد مبلغ لإيجار المحل وإطعام الأفواه الجائعة في بيته، لماذا لا أتركه يربح، مقابل تعبه ووقته؟
بارك الله له.. ولكل مَن قرَّر أن يتوكل على الله وأنَّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة