أديبة وصحفية ومفكرة إسلامية سورية. وُلِدَت في دمشق عام 1957م، وتعيش في اسبانيا منذ ثلاثين عاماً تقريباً.
عن أهل السنة وعن الهوية الجامعة وعن التداعيات الانشطارية للمسألة القومية
يكثر الحديث اليوم عن "أهل السنة"، وتفرقهم، وأمراضهم، وعللهم، ومشكلاتهم ، وتهافت الأعداء الخارجيين والداخليين عليهم من كل حدب وصوب لينشبوا في أجسادهم براثن الحقد وسكاكين الكراهية العمياء.
وقد تساءل أحد الكتاب: ماالذي يجري مع أهل السنة منذ مائة عام حتى وصلوا إلى هذه الحال؟!
لابد لنا هنا أن نستذكر انجرار أهل السنة ، إلى الفتن القومية ، والشعارات البراقة ، التي رفعها الأعداء مابعد "سقوط آخر دولة جامعة مانعة في المنطقة" ، ثم انسياق كثير منهم وراء شعارات الشيوعية ، وتمزقهم مابين أتباع للغرب وأتباع للشرق .. وانسلاخهم جملة وتفصيلا عن هويتهم ، فكرا، أو ظاهرية، أو انصرافا، أو تضييعا.. وهي نفسها "الهوية الحضارية الإنسانية الأخلاقية" الوحيدة التي صهرت كل شعوب المنطقة خلال مئات الأعوام، على اختلاف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم وانتماآتهم الفكرية والسياسية .
هذه حقائق تاريخية ، لايمكن مناقشتها ولا التشكيك فيها ..
هذه حقائق عاشتها شعوب المنطقة إثر انهيار "الدولة العثمانية" التي كانت تضم كل هذه الأشتات من البشر ، قبل أن يخترع لنا مؤسسوا حزب البعث مسألة "القومية العربية" ليفرضوها بقوة النار والقمع والفظائع في منطقة ينتمي سكانها إلى مختلف الأعراق التي كانت تنضوي تحت حكم دولة واحدة .
معرفة هذه الحقائق التاريخية المغيبة ، والتي يُمنع على الناس مجرد التفوه بها!! يخفف الكثير من الاحتقان الرهيب الواقع اليوم مابين الأكراد والعرب في مشرق المنطقة من جهة ، ومابين العرب والأمازيغ في مغرب الأمة من جهة أخرى.. كما بين المسلمين والمسيحيين ، ومابين هؤلاء ومختلف الطوائف التي تتشكل منها لحمة النسيج الاجتماعي في المنطقة الناطقة بالعربية.
ظلم "الدولة" أي دولة ، لايبرر الانفصال ، والتفكك ، وتمزيق اللحمة البشرية لمكونات "الأمة"..
المظلوميات التاريخية ، لاتلغي الحقائق التاريخية .
المظلومات التاريخية ، لاينبغي أن تكون سببا ليمتطي الأعداء ظهورنا ويمزقوننا شذر مذر كل خمسين عاما كما يحلو لهم !
جريمة "أهل السنة" في شرق المنطقة العربية ، والتي تمثلت في الانسياق وراء الخُدع الفكرية الكبرى التي اجتاحت المنطقة ، جريمة لاتكاد تُغتفر ..وإنما يدفعون اليوم ثمن ذلك الانجرار الأعمى ، الذي بلغ بهم أن يصبح أبناؤهم أنفسهم ألدّ أعدائهم اليوم!
لانكاد نجد هذه الظاهرة عند أي من المكونات البشرية في المنطقة العربية ، إلا عند أبناء أهل السنة فقط : أن يصبح أبناؤهم من كتاب ومفكرين ومثقفين، من ألد أعدائهم وأعداء دينهم وانتمائهم الحضاري التاريخي .. وأن يكونوا وعلى مدار سبعين عاماً، معاول الهدم الحقيقية في جسدهم ذاته.
صدق ذلك البريطاني الاستعماري العتيق الذي قال : "نحن لانريد أن يدخل المسلمون أي دين آخر غير الإسلام ، فذلك من المستحيلات إلا فيما ندر ...نحن سنعمل وفقط ..على إخراجهم من دينهم"!..وقد فعلوه ويأيدينا.
"الإسلام" .. لم يكن، وليس "ديناً" بالمعنى السائد في عالم اليوم عن "الدين"، "الإسلام" ، كان ، ومازال، وسيبقى..هوية حضارية إنسانية أخلاقية شاملة عابرة للقلوب والعقول ، تجمع ولاتستثني، تلم ولاتبعثر ..
والحضارة هنا لاتعني الثقافة ، كما هو معلوم.
لقد فهم المستعمرون هذه الحقيقة ، أكثر من كل "أهل الإسلام" مجتمعين ، المسلم منهم عقيدة ، والمسلم منهم ثقافة.
جريمة أهل السنة تلك ، التي ارتكبوها في حق أنفسهم ، وفي حق غيرهم كذلك وبصورة غير مباشرة .. لن نستطيع تجاوزها والتغلب على آثارها المدمرة ، إلا بالعودة إلى فهم واضح عميق شامل لهذه الفكرة الحضارية على هذه الصورة.
17.10.2017
نوال سباعي
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن