الزعيم في متاهته.. إلى أين يمضي؟
حين قررت الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه فوز أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، لم يكن ذلك نتاج صحوة إنسانية، فهي لم تتقبل أن يكون الرئيس كاثوليكياً قبل ذلك، رغم فارق النسبة الكبير بين الكاثوليك والسود في البلاد. وحين فاز الكاثوليكي كينيدي، جرى له ما يعرفه الجميع.
حين سمحت الدولة العميقة لأوباما بالفوز؛ كان بوش الابن، وخلال ولايتين عاصفتين قد وضع أميركا في نزاعات مع الكثير من دول العالم، واستنزف البلاد في حروب عبثية في العراق وأفغانستان، وكل ذلك بدفع من المحافظين الجدد، ومن ورائهم اللوبي الصهيوني. وهو فعل ذلك بعد أن استلم من كلينتون دولة في ذروة القوة على مختلف الأصعدة، حتى قيل وقتها، وهو صحيح، إنها أكبر إمبراطورية في التاريخ البشري.
جاء أوباما في محاولة لوقف التدهور الذي أحدثه بوش في مكانة الولايات المتحدة، وهو نجح في وقف مستوى التدهور، لكنه لم يوقفه، لأن القوى الكبرى المنافسة لم تتوقف عن الصعود، لا سيما أن ما ارتكبه بوش الابن من حماقات لم يكن من اللون الذي يسهل تجاوزه.
في المحطة الأخيرة، كان التوجه العام في الدولة العميقة في الولايات المتحدة، كما كان ظاهراً، هو عدم الوقوف أمام رجل من خارج السلك السياسي، في الوصول لبطاقة ترشيح الحزب الجمهوري لمنافسة هيلاري كلينتون، كي يسهل عليها الفوز بالرئاسة، كأول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة، وكان ذلك في ذات السياق المتعلق بأوباما أيضاً، أي منع المزيد من التدهور، لكن المفاجأة المدوية التي لم يُحسب لها حساب، تمثلت في فوزه.
منذ ذلك الحين وسؤال كيفية تعامل الدولة العميقة مع ترمب حاضر في الأروقة السياسية، وكتاب مايكل وولف «النار والغضب» يكشف الكثير من تفاصيل ذلك الصراع، والذي كان يهدف ولا يزال إلى ترويض الرجل والحيلولة دون توريط الولايات المتحدة في صراعات حمقاء تسمح لمنافسيها؛ خاصة الصين وروسيا، بالمزيد من التقدم، لكن الرجل الذي لا يفقه الكثير من تفاصيل السياسة وتعقيداتها، ولا حتى واقع الدولة ذاتها ومتطلباتها، لم يخضع، وبقي أسيراً لحماقاته، ولتبعيته للصهاينة، ومعهم اليمين المسيحي الإنجيلي المسكون بحكايات «هرمجدون».
ومن يتابع تفاصيل السياسة، يدرك كم تأكل تلك الحماقات من مكانة الولايات المتحدة، وما صدامه قبل أيام مع الدول الإفريقية، وحديثه العنصري والمبتذل عنها وعن أميركا اللاتينية (قبلها الدول الإسلامية)، سوى لون من ألوان تلك الحماقات، فضلاً عن صدامه مع الدول الأوروبية، ومع العالم أجمع في قضية القدس، وهرطقاته في موضوع كوريا، وكذلك مجمل الملف الشرق أوسطي.
الفضيحة التي كشفتها «وول ستريت جورنال» قبل أيام لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها لوناً جديداً من التصعيد من قبل الدولة العميقة معه، فهي فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل؛ ليس عبر العلاقة الجنسية التي أقامها مع ممثلة إباحية سابقة، بل عبر شراء صمتها قبل الانتخابات بمبلغ كبير من المال.
ليس من السهل الجزم بما إذا كان هدف إخراج الفضيحة الجديدة هو تعزيز الضغط على الرجل من أجل إعادته لرشده، ودفعه نحو الانسجام مع مؤسسات الدولة العميقة في التعاطي مع مجمل الشأن العام داخلياً وخارجياً، وصولاً إلى التعايش معه حتى نهاية ولايته، أم أن الهدف هو توجيه ضربة أكبر من ذلك، تمهيداً للتخلص منه، أو دفعه للاستقالة، لكن المؤكد أن هذا الرجل كان ولا يزال بمواقفه وتغريداته، وتصريحاته غير المنضبطة يأكل من رصيد الولايات المتحدة، ويمنح المكاسب لأعدائها، وكل ذلك يمثل أخباراً جيدة بالنسبة لنا بكل تأكيد، لولا أن بعض عربنا لا يزالون يعتقدون أنه الآمر الناهي في هذا الكون، وأن عليهم السمع والطاعة له، رغم كل ما جرى ويجري.;
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة