مكاسب الموجة الأولى من الثورات العربية
كما سلبت كلمات موسى عليه السلام “أن أرسل معي بني إسرائيل”.. منظومة فرعون خاصية التحكم في الشعوب وأبطلت مفعول إعلام سحرته أمامها والملأ، فكذلك سلبت الثورات العربية المنظومة الفرعونية العالمية في زماننا خاصية “التحكم والسيطرة” وأسقطت “أهلية قيادتها بالهيمنة” ،والتي كانت تسمى زورا وتزين سحرا، بإعلام سحرته “بالشرعية الدولية”
لقد أبطلت الثورة الصورة الزائفة لهذه المنظومة، وأظهرت صورتها الحقة جلية أمام أعين الشعوب الثائرة، وأيقنت بما لا يساوره شك أن هول الدمار الذي نراه بمنطقتنا وتلك الدماء والأطلال والأغلال.. ما هي إلا انعكاس للصورة الحقيقية التي عكستها مرآة الثورة العربية للمنظومة الشيطانية التي تسمى النظام الدولي .
وكذلك الخراب الذي حل بالإنسان وأرضه ما هو إلا انعكاس للخراب الذي لحق بالمنظومة الدولية طيلة هذه السنين فقد أصبحت خربة مفلسة آيلة للسقوط ..
ولكم أن تتخيلوا شيطان خرب يتخلق آدم أمامه سيقلد زمام خلافة الأرض، تلك حقيقتهم وهذا هاجسهم.
ولقد جاءت الثورة العربية على قدر محققة مكاسب معجزة في موجتها الأولى والتي ستعقبها موجات تتأهل من خلالها الأمة تدريجيا في مراحل الصراع إلى مرحلة التمكين
وفي وقفتي هذه سأتطرق دون تفصيل إلى مجمل المكاسب الإستراتيجية التي حققتها الثورة في السبع سنين الأخيرة والتي يراها عدونا وأكثر وتحجب عن أغلب الناس تحت تأثير الصدمة ودجل الإعلام
على مستوى الفرد والمجتمع
1- مكنت الثورة شعوبا من استرجاع السلاح وحق الدفاع عن النفس.
سيناريو الكارثة يتحقق، لأول مرة وبعد 800 سنة، وبهذه الكثافة تسترجع الشعوب العربية سلاحها، ومنذ 300 سنة يسترجع الترك والأفغان والآسيويين والأفارقة سلاحهم ولا يعتمدون على جيوشهم.
2- ففي العراق واليمن والشام وليبيا وأفغانستان والشيشان وكشمير والصومال والفلبين، أحصت الأمم المتحدة الأسلحة خارج منظومة الدول بملايين القطع الخفيفة والمتوسطة، في اليمن فقط، 60 مليون قطعة،20 مليون قطعة في ليبيا، وفي سوريا العراق أضعاف ذلك.
3- أحصت الدوائر الاستخباراتية، وقدمت تقارير للأمم المتحدة أن نصف مليون شاب عربي تحرك للقتال خارج حدوده لنصرة المسلمين دون إذن من حكوماتهم، والعدد في تزايد، في سوريا فقط 360 ألف حسب استخبارات دولية.
4- ما لا يقل عن 10 ملايين مدني لا ينتمي لأي من التنظيمات، اكتسب السلاح وطرق التعامل معه، لازال صامدا في مواطن الصراع، يدافع عن بيته وأسرته وممتلكاته، ليس عدوانيا، مدافعا فقط.
5- جعلت قرى ومدنا لأول مرة منذ الحملات الصليبية الأخيرة تدير وتحكم نفسها بنفسها خارج إطار النظم الوظيفية.. فتراها تشكل مجالسها الشعبية وشرطتها المدنية ومحاكمها ونخب الإطفاء والتعليم والتدريب والتأهيل وتقيم المخابز والأفران بل عبدت بعضها طرقها وأوجدت بدائل للماء والطاقة والنقل.
لقد مثلت هذه النقلة في الاعتماد على الذات بعد الله رعبا حقيقيا لدى المنظومة الفرعونية التي ألفت أن تأتي فتغتال ذاكرتنا وتقتل قدرتنا على الابتكار.. فيفرضوا علينا دستورًا يَسَقِيًا (اليسق هو، دستور جنكيز خان لأهل الإسلام، وكان مزيجًا من الشريعة والتشريعات والعقائد الشركية، جعله جنكيز خان دستورا لكل البلاد الذي قهرها).. وعصابة حاكمة تدين لها بالولاء..
لذلك كان اشد القصف على هذه المناطق كغزة والغوطة ودرنة حتى لا تكون مثالا لغيرها فيستغنوا عن منظومة الهيمنة.
6- إفراز مواطن الصراع قادة جدد لا يدينون بالولاء للدول الكبرى ولا الدول الوظيفية، أثبتوا قدرة هائلة على التصميم والتكيف، كلما هلك صفا خلفه آخر، فترى ذلك الشاب اليافع الذي لم يكن شيئا يذكر قبل الثورة ولا يعرف سلاحا ولا حربا وإذا به يخوض معارك الأبطال ويقارع جنرالات الحروب.. ويكسب بعضها.
وتراه مرة أخرى يجلس على طاولة المفاوضات مع جهابذة السياسة والدبلوماسية الدولية.. أو يجلس في القنوات العالمية لم ينفض الغبار عن رأسه من آخر معركة ليتكلم عن انجازاته العسكرية أمام أكبر الخبراء الاستراتيجيين في ظاهرة ما كانت لتحدث لولا ثورته المباركة.
7- قدرة مقاومة الشعوب، على اقتحام التخطيط والاستشراف والمناورة السياسية واقتحامها دائرة التصنيع الحربي والتقني رغم الاختراق الأمني مما افشل مساعي حثيثة لتجريده من السلاح بالتسويات والمساومات.
8- عودة أغلب الشعوب المستضعفة إلى الطبيعة، وقدرة فائقة للتكيف من أجل البقاء، ففشلت مساعي المساومة على هدم البنى التحتية.
9- بروز عصا الإعلام الموازي لدى عموم الشعب، فإذا هي تلقف سحر إعلام الغزاة والمستبدين، وتسفه دعايتهم.
10- لا زالت تواصل الثورة المضادة هجومًا شرسًا خال من كل معيار قيمي أو بعد إنساني.. لكن وبعد سبع سنين، وعلى الرغم مما حققته فيما يبدو تقدما، والحقيقة أنه تمدد في الفراغ.. ومع كل ما أعطيت من أسباب القوة من الخارج غير أنه يبدو جليا عدم قدرتها على تحقيق أهدافها وفرض العودة إلى النظام القديم. وهذا في عرف العسكريين وخبراء الحروب يسمى الهزيمة الإستراتيجية، تكسب معركة لتخسر الحرب.
12- جعلت كل أنواع الشرعية على المحك وأصبحت الميادين بديلا عن البرلمان والأزقة والمقاهي بديلا عن مكاتب الأحزاب.. والنت بديلا عن إعلام السحرة البطلة.. لقد جعلت الشعوب تقول نحن أصحاب الأرض وقد كانت الأرض من قبل ملكا للدولة التي تمول الثورة المضادة بأموال الشعب.
13- وفرت المناخ القاسي الاختراع والقدرة المهولة على التكيف وهي من أهم ميزات أمة خلقت لتقود.
14- جعلت من إقامة مرجعية دينية وشرعية وسياسية مطلبا واسع النطاق فقد وجدت الأمة نفسها عارية أمام استحقاقات القيادة والساحة فارغة تنتظر من يقودها بفكر جديد وبرؤية واضحة نافذة.. ومشروع قائد واعد يعبر بالأمة إلى مراحل القيادة والسيادة.
15- لقد حلت لغز لماذا نقدم التضحيات الجسام ونبني الجسور العظام نحو السؤدد ثم تتقدم الثورة المضادة في لحظة انقلاب لإعادة تجليس نظم الاستبداد؟! نعم لقدت حلت الثورة اللغز حين وضعت المعايير الصارمة لمن أراد أن يكون شريكا في الوطن.
16- لقد فهمت الشعوب أنها تبني والثورة المضادة تهدم.. لقد فهمنا أن وظيفة نظم القمع هي الهدم والهدم لذاته.. فنتعب في البناء ونفني فيه أعمارنا ليأتي هؤلاء في لحظة انقلاب من الثورة المضادة ليهدموا ذلك كله فتقع في أنفسنا الحسرة لما خسرنا ويقع في أنفسهم الرضا بتمام مهمتهم.. ويبدو أن ثورتهم المضادة تقدمت والحقيقة غير ذلك.. إنهم لم يستطيعوا أن يبنوا شيئا بل هدموا كل شيء.
فلا عجب من حسرة من يبني ولا من فرحة من يهدم وليس ذلك بالتقدم.. وبهذا المفهوم الثورات العربية لازالت متقدمة عن الثورة المضادة لكنها أيقنت أن هدم صنم الفرد وصنم الدولة وتفكيك طغيانهما يجب أن يسبق أي بناء…ثم لابد بعدها من تفكيك المسألة الغربية.
17- وضعت مشاريع حقبة الاستضعاف أمام مشنقة القفزة إلى مرحلة التدافع ومقارعة الباطل.. وألغت آلية المدارس التقليدية والجماعات لتظهر مفهوم الأمة.. الأمة المجاهدة والأمة المتحررة و القائدة.
18- إن الثورات العربية نقلتنا بقدر من جهاد النخبة والعصابة في حقبة الاستضعاف إلى جهاد الأمة لتخرج نخبة حقبة التدافع.. ويا له من مكسب.
19- أبطلت احتكار صفة المقاومة في الحركات التحررية التي توجهت للمقاومة للسياسة المجردة بقواعد النظام العالمي المافيوي وجعلت ثورة السواد الأعظم من الشعوب التواقة للحرية هي المقاومة الحقيقية.
فمنها من تأثر بالحالة الثورية ومنها من تلبس بالفعل الثوري ومنها من قفز إلى العملية التحررية الشاملة وجعلت من الباقي يعيش إرهاصات الثورة.
إن هذه القدرة على التعبئة وبهذه القوة وعلى كل المستويات التي ذكرت لهي آية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. لن تستطيع أي قوة على الأرض أن تحقق ذلك تعبئة مليار ونصف من البشر وبقضية عادلة ومن دون قيادة.
لا يمكن فقه ذلك بالموازين البشرية، إنها يد الله تعمل في الخفاء ليصنع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على عينه.
20- الثورات جعلت الشعوب تتطلع إلى السلام والحرية، الحقيقيان وليس سلام الوهم الذي دجلت به الحكومات طيلة عقود ..
21- وأثبتت الثورات أن الشعوب من أجل حريتها مستعدة للتضحية رغم فارق القوة بينها وبين الثورة المضادة وعاشت جهنم للخونة.
على مستوى المنظومة الدولية
22- كشفت إفلاس الأفكار والأيديولوجيات الغربية الحاكمة وألجأت حتى أصحابها إلى الكفر بها والتصريح العلمي والعلني بانتهاء صلاحيتها.
إن إفلاس الأفكار قاد بالضرورة إلى انهيار القيم أمام المادية المتوحشة وأصبحت المدنية الغربية والشرقية على السواء عارية تماما أمام تضحيات الثورات العربية من اجل الحرية، فظهرت الثورة المضادة عدوا للإنسانية وقدمت الثورات العربية نفسها مكافحة مجاهدة ومقدمة الغالي والنفيس من اجل الحرية وإنقاذ الإنسان من أشكال العبودية.
23-عمقت الخلاف ووسعت الصدوع في أعلى هرم المنظومة الدولية فلا يكاد مجلس الأمن أن يجمع على شيء وأصيبت الأمم المتحدة بالشلل وعجز في الميزانية وكلما أظهرت الثورة العربية على الصمود زاد الشك في المنظومة ومؤسساتها وتضاربت مصالحها حتى تراهم يصرحون بالشيء ونقيضه في المسألة الواحدة ويسفه بعضهم بعضا.
24- صمود الثورة العربية أفشل تقنية تصريف الأزمة بين الأمم الصليبية الثلاث (كاتوليك أرثوذكس بروتستانت) من أوكرانيا إلى الشام، مما زاد في تكلفة الصراع بشكل مرهق للاقتصاد العالمي، وجعل اتفاقية مينسك في أوكرانيا تنهار كل يوم، وقد تشعل حربا طائفية مسيحية في أي لحظة وفي قلب أوروبا.
25-انكشاف الدول الكبرى أمام الشعوب بعد بيان عمالة الأنظمة الوظيفية، جعلهم وجها لوجه مع الشعوب التي حققت مستوى الندية في الصراع، وقد كانت الجيوش العميلة تكفيهم مذلة ذلك.
26- جعلت الثورة العربية دولا تتساقط أمام عيني المنظومة الدولية ولا تستطيع إسنادها وقد أتت دولا كبيرة بنفسها للمنطقة ولم يستقر لها إعادة تجليسها على ما كانت.
27- أحرقت ورقة الطوائف الأقلية الحاكمة التي تدين بولائها بحبل من الأعداء.. بل وأكثر من ذلك فقد افرغ خزانها البشري وجعلها طوائف منبوذة مستنزفة بعدما كانت الملأ.. مهددة النسيج القطري الوظيفي الذي صنعه المحتل.
28- أخرجت الأسر المالكة من جحرها وكشفت دورها الحقيقي في الثورة المضادة وولاءها لأعداء الأمة مما هز أركان الحكم الجبري في شقه الملكي وقد سبقه ترنح شقه الجمهوري العسكري.
29- إن الأطراف المشاركة في الثورة المضادة والتي تعمل على تصدير الأزمة لغيرها حتى تستطيع التمدد فيها.. وجدت نفسها أمام ثورة عربية مستعصية ترتد على صخرتها أمواج الثورة المضادة إلى مركز مصدرها كما يحدث في إيران وحتى في أوروبا وقلب أمريكا نفسها.
30- الثورة العربية خلقت مناخا محفزا لباقي المكونات الإسلامية لتخوض ثوراتها الناعمة كالتجربة التركية والحراك شعب الأورومو في أثيوبيا وقد تلحق بها باكستان وشعوبا أخرى مستضعفة من جاكرتا إلى طنجة. ولولا الثورات العربية لكان الإغلاق الدولي واستقرار هيمنته مانعا لذلك.
31- العالم الحر وباقي الشعوب المستضعفة في دهشة يرقبون يسرون ويعلنون ما الذي يدفع هؤلاء للصمود؟ لماذا لم تؤثر فيهم الصدمة كما كان في أمريكا اللاتينية؟
أجابتهم الثورات العربية أنها معركتنا نحو الحرية وإخراجكم من نير العبودية انتم أيضا مهمتنا.
لقد أصبحت الثورات العربية بصمودها الروح التي نفخت حلم الحرية في عالم تحكمه العبودية.
إن المنظومة الفرعونية قائمة على التحكم بالشعوب السيطرة على الثروة وطمس الهوية ولقد سحب موسى عليه السلام مجال السيطرة من فرعون.. لم يأخذ منه جيشا ولا ملكا ولكن أخذ الشعب فانهار ملكه وكذلك تفعل الثورة العربية
أيها السادة أيتها السيدات ابشروا فنحن خارج السيطرة.. ودامت جهنم للخونة.
المصدر : جريدة الأمة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن