الألم جزء من الحياة
ليشرح لنا فلسفته في الحياة، كتب آناتول فرانس القصة التالية:
اعتلى العرش ملك شاب، جمع حكماء القصر، وطلب منهم أن يكتبوا تاريخ البشرية، ليقف على محطاته ويستخرج منه الدروس والعبر.. بعد سنوات عادوا إليه يحملون المجلدات الضخمة.
قال لهم: هذا كثير جداً، ألا يمكنكم اختصار التاريخ؟
غاب الحكماء سنة، وعادوا بمجلدات أصغر من الأولى، ولكنه قال لهم: هذا كثير أيضاً، ألا يمكنكم اختصار التاريخ؟
عندها اقترب منه كبير حكماء القصر وقال له: جلالة الملك تاريخ البشرية يتكرر دائماً وبوسعي إن شئتَ أن أختصره لك بجملةٍ واحدة.
قال له الملك الشاب: حبذا لو تفعل.
قال كبير الحكماء: تاريخ البشرية يتلخص في عبارة واحدة: يولد الناس، ثم يتألمون، ثم يموتون!
آناتول فرانس فيما أعرفه عنه ليس «مازوخياً» يجد لذة في التشكي وتعذيب نفسه، وليس سادياً يجد لذة في آلام الآخرين وأوجاعهم، وهذا التوصيف ليس دفاعاً عنه، وإنما وجدته من باب الضرورة كي لا يُفهم هذا من القصة المقتضبة أعلاه! كل ما يعنيه الرجل- بحسب فهمي له- هو أن الألم جزء من الحياة!
الألم جزء من الحياة هذه حقيقة، يؤكدها القرآن، حيث يقول جلَّ في علاه: «ولقد خلقنا الإنسان في كبد»، أي في صعوبة ومشقة، الزواج مكلف، العمل مضنٍ، وتربية الأولاد مشقة، والدرس بحاجة إلى مجاهدة، والصبر على الناس جهاد أكبر، حتى العبادات لا تخلو من كبد، فصلاة الفجر شاقة، والصيام مُتعب، والحج مكلف، وكلمة الحق خطرة، والشهوة مستعرة، والمال عزيز، والعفة تحتاج إلى مجاهدة، والأمانة أصعب من الخيانة، وغض البصر خلاف الهوى، والنفس أمارة بالسوء وطريق الجنة شائكة بينما طريق الناس معبدة!
من ظنّ أنه سيصل إلى هدفه دون تعب فلم يفهم الحياة بعد وإن كان يحياها، ولم يفهم الدروس من القصص وإن كان يعرف القصص!
لفة سريعة على حياة الأنبياء تخبرنا بمقدار الألم الذي لاقوه، تسعمائة وخمسين سنة هي عمر نوح عليه السلام في الدعوة لم يُسلم معه إلا ثمانين على أكثر الروايات، ثمانية عشرة سنة قضاها أيوب عليه السلام في المرض، خمسة وثلاثون سنة فرّقت بين يعقوب عليه السلام وابنه، إبراهيم عليه السلام يُقذف بالمنجنيق إلى النار، وزكريا عليه السلام يُنشر بالمنشار، ويحيى عليه السلام يقُدم رأسه مهراً لبغي، وعن سيد الخلق فحدث ولا حرج!
تحصيل السعادة والراحة مطلب، ولا يقول دين ولا عقل أن يُعذب المرء نفسه، ولكن الدين والعقل يقضيان أن يفهم الإنسان الحياة، طبيعتها أولاً ومقصودها ثانياً، طبيعتها كبحر متلاطم الموج السابح فيها لا بد أن يصيبه البلل سواء قرر أن يسبح ليصل أو أن يعيش على الهامش! ومقصودها فهي دار عبور لا دار إقامة، ودار زراعة لا دار حصاد، وكما يقول ابن القيم: الناس من ولدوا لا يزالون مسافرين وليس لهم محط رحال إلا في الجنة أو في النار! والعاقل لا يجمع عليه ألم الدارين!
وكما يقول ابن حزم: العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة!
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة