ميلادي في ثلاثين يوماً
كتب بواسطة نانسي خلف
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1698 مشاهدة
شعورٌ مِن القلق يتملَّكني مع مائة سؤال وسؤال: ماذا قدَّمتُ في حياتي؟ وماذا حقَّقتُ وقِطار الحياة يَمشي مُسرعاً والمحطات كثيرة؟ وليس هذا تشاؤماً مني، ولا أردت مِن كلامي أن أنقل لكم مشاعر سلبية، ولكنه واقع الأيام التي تَمضي، ومع هذا فما يُهمُّني الآن هو يوم مولدي، مولدي الرُّوحي، ولادتي النفسية..
وفي زمنٍ الكلُّ فيه مَشغولٌ بنفسه، وأصبحت الأيام تمرُّ بسرعة البرق؛ صاحبني هاجس الخوف وإلحاح السؤال: ماذا فعلت بعمري؟ وماذا سأفعل؟ وهل سيكون لي عمرٌ كافٍ لما أريد أن أحقق؟ أسئلة كثيرة، ومَخاوف كبيرة.
إلى أن جاء هذا اليوم العظيم، هذا الشهر الكريم، ومعه ثلاثون يوم ميلاد لمن استثمرَها واستغلَّها، ثلاثون يوم ميلاد تَغلِب الخوف من فوات الأيام ومرور الزمان، فتُزيل ما مضى من سواد ذنوبها ونُكَتِ تقصيرها، أيام ولادتنا المعنوية هي ما قال عنها نبينا [: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفِّرات ما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم.
مَن قال: إنَّ يوم ميلادنا هو يوم ولدتْنا أمهاتُنا؟! ومَن قال: إنَّ مِن رحم الأمهات فقط تولد الحياة؟! بل مِن رحم رمضان، رمضان الرحمات أيضاً!
إنه الشهر التاسع من العام، وفي الشهر التاسع يولد الإنسان، نولد مِن جديد أنقياء أصفياء بلا شوائب، بلا أكدار، ولا خوف من المستقبل كما هو الحال في يوم ميلادنا الرقمي؛ حيث تتوالى السنون وتكبر الأعداد.
إنَّه مولدٌ معنويٌّ يلغي ذاك المولد الرقميَّ، بل ويعيده إلى مرحلة الصفر؛ لتبدأ وأبدأ من جديد صفحة بيضاء، أُولد من جديد مع رحمة ومغفرة وعتق من النار، وهل مِن اطمئنان يضاهي بعد ذلك هذا الاطمئنان؟
فهلّا تزيَّنا لرمضان، لباب الريان؛ فالأفواج تتهافتُ على باقي الأبواب، ولكن يبقى باب الريان لا يدخله أحد إلا الصائم كائناً مَن كان، قال صلى الله عليه وسلم [: «إنَّ في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخل منه أحد». رواه البخاري.
وحتى السماء تزينت لرمضان، لشهر ميلادك إن كنت من الصائمين بالجوارح واللسان، ومِن العاملين والمُثابرين فيه، تتنافَس على هذه الحسنة، وتتسابَق إلى معروف وصدقة، تعفو عن هذا، وتُسامح من آذى.
فحتى السماء تزيَّنت لميلادك في رمضان، فإذا دخل شهر رمضان "فُتحت أبواب السماء، وغلِّقت أبواب جهنَّم، وسُلسلَت الشياطين".
وما زلتَ في يوم مولدك تنتظر الهدية، ولكن دعني أصارحك، لن تحصل على هديةٍ تسعد قلبك كرمضان والتي قال عنها الله: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ". رواه البخاري.
"إنه لي" وعد تتبعه ثقة واطمئنان بما عنده جلَّ وعَلا؛ فالموضوع عنده، والمسألة بيده، وهو صاحب الجزاء ومالك العطاء الوهاب.
وإن كنتُ تمنَّيتُ أن يكون لعمري عمر ثانٍ لأعمل وأجتهد وأحقِّق ما أريد، فمع رمضان جاءت الفرصة، جاءت المِنحة، وأنا طالبة في مدرسة الحياة، أجتهد وأُثابر، ولكن لا بدَّ مِن مِنحة تدعم مسيرتي، وتُثبت عزيمتي، منحة جعلتني أقول:
مِن أرحام أمهاتنا خرجْنا لهذه الحياة.
وفي يوم ميلادنا نحزن لعامٍ من عمرِنا قد فات.
ولكن مَن قال: إن من الأرحام فقط تولد الحياة؟
وها هو رمضان أقبل ومعه ثلاثون يوم ميلاد.
ليُضيف إلى أعمارنا أعماراً جديدة هدية من الوهَّاب.
وفيه ليلة هي خير من ألف شهر وخير من كل زاد.
فهل من مترقبٍ لهدية الصيام، متلقِّفٍ لجواهر رمضان، مسارعٍ لباب الريَّان؟؟
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة