ساعد أولادك وأتقن مهارات العقاب
كتب بواسطة نجلاء محفوظ
التاريخ:
فى : زينة الحياة
7666 مشاهدة
عندما نعاقب أولادنا على أخطائهم؛ فإننا نُعدهم لمواجهة الحياة بواقعية وبصلابة وبوعي أنه لا خطأ سيمر بلا دفع للثمن، ونعلمهم التحكم بالنفس والتفكير بتمهل قبل التصرف لمنع الندم؛ ونعلمهم الحدود التي يجب التزامهم بها بأقوالهم وتصرفاتهم، كما نعلمهم المشي والانتباه لخطواتهم حتى لا يصابوا بأذى.
لا تربية بلا عقاب وثواب، ولا يكفي الأخير فقط، ويجب وضع قوانين وتدريب الأولاد على احترامها وشرح أهميتها بأقل كلمات؛ فكثرة الكلام يشتت الانتباه ويقلل الاهتمام بالتنفيذ.
لن يمتنع الابن عن الخطأ بالحب فقط؛ فلا بد من الردع، وهو يبحث عن قائد، فإن لم يجده بالبيت بحث عنه خارجه، وغالباً ما يكون صديقاً بعمره يتسلط عليه فلا تفعل ذلك بولدك أبداً.
يجب تعلم مهارات العقاب وتغييره وفقاً للعمر وللخطأ والتنويع به؛ فلا يعتاده الابن ويفقد جدواه.
أخطاء شائعة
العقاب الخطأ يضر الأولاد مثله مثل تأجيل العقاب؛ فيجب المسارعة به، أو عدم توضيح الخطأ أو تجاهله عندما نكون بمزاج لطيف ولا نريد تعكيره بالعقاب، أو عقاب أحد الأبناء على خطأ وتجاهل عقاب ابن آخر على نفس الخطأ؛ لأننا نفضله، أو بسبب مرضه، أو لأننا عاقبناه على أخطاء أخرى مؤخراً؛ فذلك يفسد العقاب ويقدمنا للأبناء كأهل غير عادلين ويضر بعلاقتنا بهم، ويدفعهم للمزيد من الأخطاء واستقبال العقاب بلا مبالاة وأحياناً بتحدٍّ فج.
يسارع بعض الأهل لمعاقبة الأولاد بشدة عند أصغر هفوة، ويتجاهل آخرون العقاب بدعوى أنهم صغار، وعندما يكبرون سيفهمون، وكلا الموقفين ضار وخطأ.
فالتشدد بالعقاب خطأ، وعند الهفوات علينا أن ننبهم بلطف ونحذر من التكرار، أما الزعم بأنهم لا يفهمون لأنهم صغار؛ فالطفل يفهم الخطأ قبل أن يتم عامه الأول؛ فنراه عندما يجذب شيئاً ليلقيه على الأرض مثلاً ينظر للأهل ويبتسم في محاولة للحصول على موافقتهم، ويعلم منذ صغره من يمكنه اللعب بهاتفه المحمول ومن يرفض ذلك؛ فلا مجال للزعم بعدم الفهم وتبرير ضعفنا وخوفنا الزائد عليهم من البكاء بعد العقاب.
تعمدنا وضع كلمة الأبناء بالعنوان وليس الأطفال؛ ففي كل عمر لا بد أن يوجد العقاب والثواب، وإذا قال الابن: أنا كبرت على العقاب، فليكن الرد: الكبير لا يتعمد الخطأ ولا يكرره، وإذا أخطأ فليعتذر وليتحمل العقاب، ومن يكبر فليُجِد التصرف، وصدق المثل: من لا يتحمل العقاب فلا يرتكب الجريمة.
امنع الانكسار
العقاب ليس انتقاماً، ويجب ألا يمارس بعنف ولا بغضب شديد فيرسل لهم رسالة خاطئة بالانتقام، فهو رحمة بهم؛ لأنه الرادع من تكرار الخطأ، والوسيلة العملية لإعدادهم للتعامل مع الحياة.
أما الذين يتساهلون مع أخطاء الأبناء ولا يعاقبونهم؛ خوفاً عليهم من الحزن أو لتوهم أن العقاب سيكسرهم نفسياً، ويقول بعضهم: لن نكون والأيام على أولادنا، فيتناسون أن الحياة لن ترأف بأولادهم وترسل لهم من يتجاوزون عن أخطائهم، بدءاً من دور الحضانة وانتهاء بالعمل، ويتعامون عن زلاتهم، والواقع يؤكد أن هؤلاء الأبناء سيكونون أكثر عرضة للانكسار أمام المواقف العادية بالحياة خارج البيت، وأن الأهل حرموهم من النضج ومن تحمل مسؤولياتهم عن أفعالهم.
مهم أن يتناسب العقاب مع طبيعة شخصية الطفل؛ فحتى التوءمان تختلف شخصيتاهما.
وقد يتبادر للذهن فور سماع كلمة العقاب اللجوء للضرب، لكننا لا ننصح به إلا عند تعمد ارتكاب الأخطاء الفادحة وبأضيق نطاق؛ حتى لا يفقد قيمته، أو يعتاده الابن ولا يبالي به، وأذكر أمّاً قالت لي: إن ابنها أخطأ وسارع بإحضار الحزام وقال لها: هيا اضربيني! ونحن لا نريد ذلك.
يمكن عقاب الطفل بوضعه بحجرته والنور مضاء والباب مفتوح وإلزامه بالبقاء بها بلا لعب لبعض الوقت وفقاً للخطأ، ويمكن خصامه، لكن لا تبالغ بالخصام حتى لا يعتاده الأبناء.
ويمكن الامتناع عما يحبه من حكايات أو ما شابه، ونرفض المنع من الحلوى، حتى لا يزيد إقبال الأطفال عليها بعد انتهاء العقاب، ولا الثواب بالحلوى؛ حتى لا يربط بينها وبين المتعة مما يعرضه للسمنة ولأخطاء التغذية، ويمكن حرمانه من التنزه أو الحديث أو الذهاب لأصحابه.
ولنتجنب المبالغة بالعقاب؛ فالعنف يولّد العناد، والعقاب البسيط يجعل الطفل يستخف بالخطأ، ونفضل عقاب الأم للأبناء –عند غياب والدهم- ولا تقُل لهم: سيعاقبكم والدكم عندما يأتي للمنزل؛ فهذا يقلل من دورها كأُم ويحصر الأب بدور العقاب، وكأن الأمر يحتاج لقوة لا تمتلكها الأم، وهذا خطأ.
من الأخطاء الشائعة التهديد بالعقاب ثم عدم تنفيذه؛ فيحرض الأبناء على التمادي بالأخطاء، أو إعلان قائمة عقوبات مبالغ بها ثم التراجع عن بعضها، وهذا خطأ يمس هيبة الوالدين، والهيبة مطلوبة، وهي تختلف عن الخوف؛ فالأولى تعني الاحترام والتعامل مع الوالدين على أنهما المسؤولان عن إدارة البيت، ويضعان القوانين به ويراقبان الالتزام بها لمكافأة من يلتزم بها ومعاقبة من يخرقها؛ فلا تقرر أبداً عقاباً لا يمكنك الالتزام به.
الأسوأ
يجب توضيح خطأ الابن بهدوء وبأقل كلمات، فالصراخ والكلام الكثير يشتتان ذهن الابن، ونرفض كلمات مثل: هل يعجبك اضطراري لعقابك؟ فسيفهم الابن أن الأب والأم لديهما مشكلة بعقابه وسيتساويان بالضيق من العقاب، وهذا خطأ، فلا بد أن يشعر الطفل أنه وحده من يدفع ثمن فعلته.
والأسوأ مصالحة أحد الوالدين الابن المعاقَب وتعويضه عاطفياً أو مادياً من دون علم الطرف الآخر؛ فسيفهم الابن أن الطرف الآخر ظالم أو سيئ، وهذا خطأ بشع.
إذا أخطأ أحد الوالدين أو تعامل بقسوة مع الأبناء فليتجنب الطرف الآخر الحديث عن ذلك أمامهم، وينفرد به ليخبره بذلك، وإذا شكا الابن فليؤكد حب الطرف الآخر له، وأنه فعل ذلك خوفاً عليه من توابع الخطأ، وعليه ألا يكرره ويستعيد الثقة به.
الأم العاملة قد تشعر بالذنب لترك طفلها للذهاب لعملها فتتساهل معه عندما يخطئ بحجة أن الوقت الذي تقضيه معه قليل؛ فلا ينبغي إضاعة بعضه بالعقاب، وهذا خطأ؛ فالعقاب جزء مهم من التربية ومن تكوين شخصية الطفل، وقبل العقاب يمكن استنكار الخطأ وكيف يفعله ذكي مثله، وإبداء الإعجاب بتصرفاته الجيدة سابقاً، وكذلك قد يفعل الأب الذي يقضي أوقاتاً طويلة بعمله، أو إذا كان كثير الأسفار؛ فليقم بدوره بالعقاب عند حدوث ما يستوجبه ولا يخذل نفسه ولا أولاده بتجاهل الأخطاء؛ فستكبر وسيعتادها الأبناء وسيقاومون بشدة أي محاولات للإصلاح؛ وكما يقال عن صدق؛ فإن تقويم الفرع المائل من الشجرة يكون أيسر وبلا خسائر عند بداية الاعوجاج.
تجنب النظر لوجه ابنك عندما تعاقبه؛ فسيحاول التأثير عليك بالاستجداء، وربما كانت نظراته بها تحدٍّ ليثير غضبك، ولا تتصرف أبداً كرد فعل لما يفعله ابنك عند سماعه العقاب.
لا تبالغ بالحرمان المادي وتجاهل إلحاحه لإنهاء العقاب ولا تضعف نفسك؛ فتراجعك ولو لمرة سيدفعه للاستهانة بالعقاب، وسيكرره وهو يعرف أنك ستخضع لإلحاحه.
لا تهنه بالسخرية منه، ولا تصفه بالفعل الذي ارتكبه، ووضّح كيف يتجنبه.
لا تقارنه بأقرانه ولا بإخوته الذين لا يرتكبون خطأه، وقل له: إنه أفضل من أن يرتكبه ويستطيع ذلك، ولا تذكره بأخطائه السابقة.
استمع إليه قبل العقاب، وإذا كذب أو حاول خداعك؛ فضاعف له العقاب بسبب ذلك حتى لا يعتاد الهروب من تحمل المسؤولية عن أفعاله.
عند تعمد تكرار الخطأ غلّظ العقوبة، ولا تعاقبه أمام أحد حتى ولو إخوته، وإذا أخطأ أمام الناس انفرد به وأخبره بعقابك، ولا تؤجل ذلك؛ فيتمادى وهو بمأمن من العقاب.
لا تعاقبه بالشتم فستعلمه السب، ولا تشهر به بعد العقاب.
لا تعاقب نفسك أو الأسرة بعد عقابه؛ حتى لا تشيع النكد بالبيت، وتعامل بصورة طبيعية، ولا تبالغ بالمرح؛ فيبدو وكأنك تغيظ المخطئ، وكن عادياً، وتذكر الإلحاح بالدعاء لله سبحانه بالهداية لأولادك ولأولاد المسلمين بكل زمان ومكان.
المصدر : مجلة المجتمع
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن